بني سويف توفر فرص عمل للشباب و38 عقدًا لذوي الإعاقة    جمال الوصيف: استمرار توافد الناخبين على السفارة والقنصلية بالسعودية رغم فترات الاستراحة    مدبولي: لا أعباء إضافية على المواطنين بعد الإتفاق مع صندوق النقد    بهدفه في السودان.. رياض محرز الهداف التاريخي للجزائر في "كان"    الداخلية تضبط 7 عناصر شديدة الخطورة بتهمة غسل 200 مليون جنيه    رئيس الوزراء: فى 2014 كنا دولة شبه حطام وحاليا إحنا على أرضية ثابتة    الكاميرون تواجه الجابون في الجولة الأولى من كأس أمم إفريقيا 2025    بالأسماء.. مصرع شخص وإصابة 18 آخرين إثر انقلاب ميكروباص في أسوان    مدرب بنين: قدمنا أفضل مباراة لنا رغم الخسارة أمام الكونغو    نجاح الفريق الطبي بقسم الرمد بمستشفى المنزلة في إجراء أول عمليتين مياه بيضاء بتقنية الفاكو بالدقهلية    محمد معروف يشهر أول بطاقة حمراء في أمم أفريقيا 2025    التعاون الاقتصادي والتجاري والمباحثات العسكرية على طاولة مباحثات لافروف والشيباني    الكنيست الإسرائيلي يصدق بقراءة تمهيدية على تشكيل لجنة تحقيق سياسية في أحداث 7 أكتوبر    اليمن يدعو مجلس الأمن للضغط على الحوثيين للإفراج عن موظفين أمميين    إعلام قنا تشارك في المؤتمر العلمي التاسع لكلية الإعلام    بعد الاعتداءات.. ماذا فعل وزير التعليم لحماية الطلاب داخل المدارس؟    محافظ قنا يعقد اجتماعًا موسعًا للاستعداد لانطلاق الموجة ال28 لإزالة التعديات    تقارير: نيكولاس أوتاميندي على رادار برشلونة في الشتاء    ديبال S05 تحصل على تصنيف 5 نجوم في اختبارات Euro NCAP لعام 2025    البورصة المصرية تربح 4 مليارات جنيه بختام تعاملات الأربعاء    السكة الحديد: تسيير الرحلة ال41 لنقل الأشقاء السودانيين ضمن مشروع العودة الطوعية    "الزراعة": ضبط 135 طنًا من اللحوم المخالفة خلال النصف الأول من ديسمبر    الاتحاد الأوروبى يحذر من اتخاذ إجراءات ضد فرض عقوبات أمريكية على 5 أوروبيين    يسرى نصر الله وأمير رمسيس وعلى سليمان ينعون الفلسطينى محمد بكرى    هذا هو موعد ومكان عزاء الفنان الراحل طارق الأمير    المتحف المصري بالقاهرة يحدّث قواعد الزيارة حفاظًا على كنوزه الخالدة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :شكرا توتو وتوتى ..!؟    بدء المحادثات بشأن النزاع الحدودي بين تايلاند وكمبوديا وسط آمال للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار    الصحة تواصل العمل على تقليل ساعات الانتظار في الرعايات والحضانات والطوارئ وخدمات 137    غدا.. استكمال محاكمة والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته فى الإسماعيلية    ڤاليو تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء    أمم أفريقيا 2025| شوط أول سلبي بين بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية    ما فوائد تأجيل صندوق النقد الدولي المراجعتين الخامسة والسادسة لمصر؟    خالد عبدالعزيز يترأس الاجتماع الختامي للجنة الرئيسية لتطوير الإعلام الإثنين المقبل    فوز 3 طلاب بجامعة أسيوط بمنحة للدراسة بجامعة كاستامونو بتركيا    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    الاتصالات: إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3 آلاف ماكينة صراف آلى    تأجيل محاكمة عامل بتهمة قتل صديقه طعنًا في شبرا الخيمة للفحص النفسي    قرار جمهوري بتجديد ندب قضاة للجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية    وفاة أصغر أبناء موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب    أمم إفريقيا – براهيم دياز: سعيد بتواجدي في المغرب.. والجمهور يمنحنا الدفعة    وزير الري: الدولة المصرية لن تتهاون في صون حقوقها المائية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    وزيرا التعليم العالي والرياضة يكرمان طلاب الجامعات الفائزين في البطولة العالمية ببرشلونة    إيمان العاصي تجمع بين الدراما الاجتماعية والأزمات القانونية في «قسمة العدل»    الصغرى بالقاهرة 11 درجة.. الأرصاد تكشف درجات الحرارة المتوقعة لمدة أسبوع    ضبط 4 متهمين اعتدوا على مواطن بأسلحة بيضاء بسبب خلافات فى السويس    الأوقاف: عناية الإسلام بالطفولة موضوع خطبة الجمعة    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    بعد تعرضه لموقف خطر أثناء تصوير مسلسل الكينج.. محمد إمام: ربنا ستر    حمادة صدقي: منتخب مصر فاز بشق الأنفس ويحتاج تصحيحا دفاعيا قبل مواجهة جنوب أفريقيا    وزير الصحة: قوة الأمم تقاس اليوم بعقولها المبدعة وقدراتها العلمية    مع اقتراب الامتحانات، أكلات تحسن التركيز للطلاب أثناء المذاكرة    وكيل صحة بني سويف يفاجئ وحدة بياض العرب الصحية ويشدد على معايير الجودة    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    إيران تنتقد الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة لعدم التزامهم بالاتفاق النووي    واشنطن في مجلس الأمن: سياسات مادورو تهدد أمن الولايات المتحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضايا "الحسبة".. ضد حرية الرأى والتعبير !
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 02 - 2014

هناك العشرات من القضايا التى تشهد مصادرة كتاب هنا أو جريدة هناك.. وأخرى ضد أديب أو فنان.. والأمثلة على ذلك كثيرة لعل أشهرها قضية نصر حامد أبو زيد ، ونجيب محفوظ ، وفرج فودة وغيرها من القضايا التى حكم فيها على شعراء وأدباء وفنانين ،
وذلك فى ظل أحقية أى شخص أن يرفع دعوى حسبة ضد أى عمل أدبى أو فنى أو أى شخص، وينصب نفسه وصيا على الآخرين ويقوم نيابة عنهم برفع الدعاوى التى أصبحت سيفا مسلطا على المبدعين ..
فى هذا التحقيق نعرض لآراء المبدعين ، كما نعرض أيضا لموقف القانون والدستور، وأخيرا نقدم رأى الدين فى هذه القضية الشائكة..


النمنم:
الحسبة أصبحت
تعنى مصادرة حرية الرأى والإبداع
فى البداية يضع الكاتب حلمى النمنم الحسبة فى سياقها التاريخى موضحا أنها كانت تستهدف مكافحة الفساد الاقتصادى والإداري.
وفى عصرنا الحديث أصبحت تعنى مصادرة حرية الرأى والإبداع، ويرى أن هناك جهادا ضد المبدعين باستخدام قضايا الحسبة التى أخرجها البعض من كتب الفقه الإسلامى واستخدموها فى غير ما أراد الفقهاء.
فقد تطورت الحسبة والمحتسب فى القرنين الثامن والتاسع عشر لتطول فى زماننا عددا من الكتاب منهم نجيب محفوظ ونصر حامد أبو زيد، وفنانين مثل عادل إمام. وأشار إلى أن قضية نصر حامد أبو زيد نموذج صارخ لقضايا الحسبة التى شهدتها مصر فى العقود الأخيرة.
ويرى النمنم أن الاستبداد السياسى أو الدينى أو الاجتماعى يستهدف قمع الحريات، ضاربا المثل باغتيال الكاتب فرج فودة عام 1992 على أيدى متشددين ، ومحاولة اغتيال الروائى نجيب محفوظ عام 1994 لاتهامه بالإساءة إلى الإسلام فى أعماله .موضحا أن الحسبة أساسا للدفاع عن الحق العام
ولكن يجب أن نفرق بين الحسبة العقائدية ، والحسبة المدنية أو السياسية والوطنية ، بمعنى انه من الممكن أن ترفع قضايا حسبة مدنية أو سياسية، ولكن عندما تدخل فى مجال العقيدة وتخلط بينها وبين الإبداع فمجرد إشهار هذه الدعاوى يؤثر على حرية الإبداع ، والدكتور أبو زيد مثال واضح لذلك . كان باحثا ومفكرا كبيرا ومنذ عام 1992و1993 عندما رفعت عليه الدعوى لم يحقق انجازا فكريا كبيرا كما كان متوقعا منه.

إبراهيم عبد المجيد:
إرث قديم
انتهى زمنه وكانت تطبق على القبائل
ويرى الأديب إبراهيم عبدالمجيد أن الحسبة تراث قديم انتهى زمنه كانت تطبق على القبائل والعشائر، ثم تطورت وأصبحت نوعا من إعاقة الإبداع وإرباك المحاكم. ولابد أن تنتهى.
والسؤال لماذا تصادر الأعمال أو توقف أصلا وهى غير موجهة إلى أحد بالذات, وهذه الأعمال سواء أدبية أو فنية ليست مفروضة على أحد ولا تقدم للناس قسرا ولا جبرا، وللجميع حرية الإقبال عليها أو الإحجام عنها ، لذلك يجب أن تسقط هذه القوانين التى تربك الحياة الثقافية ونكتفى بالقانون المدنى الذى يحافظ على الحقوق فى القضايا الأخرى .


الغيطانى :
قانون الحسبة ملغى منذ عام 1955
ويقول الأديب جمال الغيطانى أن قضايا الحسبة جزء من محاولات السياسيين والمتسترين بالدين استغلال بعض الثغرات لإرهاب الكتاب والمبدعين ، ويضيف :لا يوجد قانون حسبة لأنه ألغى عام 1955 وصدر تشريع لمنع مثل هذه القضايا لأنه يمتد بجذوره إلى تقاليد انتهى زمنها ، ويؤثر على حرية الإبداع ، وما حدث مع د. نصر أبو زيد والتفريق بينه وبين زوجته كان بناء على بعض الثغرات القانونية، وما زال البعض يحاول استخدام سلاح القضايا والدعاوى ضد الكتاب، وقضية الأديب نجيب محفوظ منذ ستينيات القرن الماضى دليل على ذلك، عندما رفع تقرير للرئيس جمال عبد الناصر عن رواية «أولاد حارتنا» وكانت تنشر أسبوعيا فى جريدة الأهرام ، وعندما علم الأستاذ هيكل بالتقرير شرع فى نشر الرواية يوميا وبالنص الكامل لها .
وفيما بعد وصل الأستاذ نجيب محفوظ لاتفاق ضمنى بعدم نشر الرواية ، وبعد حصوله على جائزة نوبل أثير الموضوع ونشرت أجزاء من الرواية فى بعض الصحف وأصبحت قضية للمثقفين ، وهذه القضية تعتبر وصمة عار فى جبين الحياة الثقافية فى مصر ، فأولاد حارتنا محطة مهمة فى تاريخ اضطهاد الفكر والإبداع والثقافة فى مصر .
والتاريخ يعلمنا انه لا توجد قوة سياسية تستطيع أن تقمع الفكر والإبداع. وهناك العديد من النصوص الممنوعة ورغم ذلك فى متناول الجميع ، وبالعكس فعندما يتم منع بعض الكتب أو الآراء تأخذ شهرة أوسع ويتم الإقبال عليها بشكل أكبر.


د. أحمد كريمة:
ليست لآحاد الناس أو العوام
من جانبه يوضح د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر ان معنى الحسبة عند جمهور الفقهاء الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه، والنهى عن المنكر إذا ظهر فعله ، وقد شرعت الحسبة طريقا للإرشاد والهداية ومنع الضرر قال تعالى «ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» ، وينبغى أن يفهم أن الحسبة فى الأمور العامة لا تكون للعوام لأنها نوع من أنواع الولاية فيمن عهد إليه بالأمور الدينية، لذلك يشترط فيمن يقوم بها الكفاءة والعدالة والعلم والقدرة، ويجب أن تكون فيما يتصل بالمعروف حسب الدرجات التى تنظم ذلك، لأنها أمور دقيقة يتعلق بعضها بحقوق الله وأخرى بحقوق البشر، وبينهما أمور مشتركة، وأخرى بالعقائد والعبادات وهى حق لمن عندهم العلم بهذا.
وكان فى العهود القديمة يعهد للمحتسبين تفقد الأسواق والآن توجد شرطة التموين ومراقبة الموازين وغيرها وهذا يكفى والدولة أوجدت أجهزة رقابية تمنع من ممارسة هذا العمل للعامة .
أما فيما يتعلق بالأعمال الفنية والأدبية فتوجد إدارة المطبوعات بمجمع البحوث الإسلامية وهو وحده المختص أمام الله والمجتمع بمراقبة الإصدارات والأعمال الأدبية والفنية.
ولكن هذا لا يعنى مصادرة الرأى ، فالرأى يحترم إذا احترمت شرائع الدين والمجتمع ، ولابد من وضع ضوابط لحرية الرأى وهى فى الأمور الظنية والرؤى الشخصية بعيدة عن ثوابت الدين وأعراف المجتمع، فليس كل من يأتى بشىء خارج الأطر يسمى مبدعا، والخطأ الشائع أن كل من يجدف ضد التيار يصبح مبدعا ، وعلى المبدع أن يأتى بالمفيد الذى يعتمد أعراف المجتمع . ويجب التفرقة ما بين الابتكار والانهيار، وبين المعاصرة والذوبان، وبين حرية التفكير وحرية التكفير.

د.محمد نور فرحات:
القانون المصرى
ليس فيه ما يسمى قانون الحسبة
ويؤكد د.محمد نور فرحات الفقيه الدستورى ان القانون المصرى ليس فيه ما يسمى قانون الحسبة ، وأن هناك نصا فى قانون المرافعات ينص على ان رافع الدعوى لابد ان تتحقق له مصلحة شخصية ، ومنذ عدة سنوات أضيف لها نص آخر بخصوص الدعاوى المطالبة بالحقوق العامة، بحيث لا ترفع الا بمعرفة النيابة العامة ، وعلى ذلك فاى شخص يرفع دعوى لا تحقق له مصلحة شخصية يقضى بعدم قبولها ، والدستور الحالى الذى تم الاستفتاء عليه افضل بكثير مما سبقه فيما يتعلق بحرية الفكر والابداع مع وضع الضوابط التى تقضى بعدم المساس بالأمن القومى ، وهذا ما تنص علية المواثيق الدولية .


د. محمود كبيش:
الدستور أطلق حرية الفكر والإبداع
ويقول د.محمود كبيش عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة ان قانون الحسبة الغى منذ سنوات ، ولكن هناك اصطلاحا على ان القضايا التى يقيمها اى شخص حسبة لله وليس لتحقيق مصلحة أو لدرء خطر خاص به، وانما يقيمها لمصلحة أو لمنع ضرر قد يقع على المجتمع تسمى قضايا الحسبة.
وأضاف د.كبيش أن الدستور اطلق حرية الفكر والابداع بما لا يتضمن تحريضا على عنف أو ارهاب، ولا ننسى النص الذى يجعل مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، وبالتالى فأى عمل أدبى او فنى يخالف مبادئ الشريعة الاسلامية يمكن أن ترفع ضده دعوى قضائية والمحكمة هى التى ستحكم وتبين ما اذا كان هذا العمل يستحق الحماية أم لا .

أصل الحكاية
مصطفى عبدالوارث
الحسبة نظام إسلامي، لم يعرف بمفهومه الإسلامى قبل مجيء الإسلام.. وأصل الحكاية أن الحكومة الإسلامية كانت ملزمة بكل شيء يخص الفرد والمجتمع. كانت ملزمة بالمحافظة على المرافق العامة والأمن العام للمجتمع،
وبنظافة الطعام وتحديد المكاييل والموازين ومراقبة الأسواق وكل ما له صلة بالحفاظ على حياة الفرد ، وتوفير أحسن الخدمات التى يحتاج إليها من مأكل ومشرب وملبس وأمن... إلخ... ليكون الفرد والمجتمع فى أعلى درجات السلامة.
ورغم أن بعض المصادر التاريخية تشير إلى أن الدولة اليونانية قد عرفت نظاماً قريبا من مفهوم الحسبة فرضه اتساع رقعتها، وتضمن تعيين مايعرف ب «صاحب السوق» فإن هدف هذا النظام كان حماية المصالح الاقتصادية للدولة وأصحاب المال والأعمال ،ولم يكن الهدف منه حماية مصلحة المواطن البسيط ، واتسم تطبيق هذا النظام - الذى استمر بعد الدولة اليونانية مع وريثتها الدولة الرومانية فالبيزنطية - بطابع مادى بحت، إذ اقتصر على التأكد من سلامة المعاملات التجارية ومراقبة المتاجر والبضائع.
لكن الأمر يختلف تماما فى المنظور الإسلامى، فالأصل فى الحسبة فيه أنها عمل تطوعى ينطلق من أساس ورؤية دينية ، حيث يراقب المحتسب أحوال الناس ومدى التزامهم بما أمر به الله أو نهى عنه، ويجعل ذلك نصب عينيه؛ لأن من أهم أهداف الشريعة الإسلامية تحقيق المصالح، ومنع المفاسد، استنادا إلى أن الله أمر عباده ببذل غاية الوسع فى التزام ما يصلح واجتناب ما يفسد.
وكان الرسول الكريم أول من طبق مفهوم الحسبة، وجعل سعيد بن العاص على سوق مكة بعد الفتح، وعمربن الخطاب على سوق المدينة.. واستمر الخلفاء الراشدون من بعده على نهجه، وكان عمر أول من وضع للحسبة نظاما، وعاقب المخالفين، فيروى أنه ضرب جمَّالا حمَّل جمله فوق طاقته.
وتاريخيا، لم يتحدد مصطلح «الحسبة» إلا فى العصر العباسى الأول، وصارت وظيفة المحتسب فى القرن الرابع الهجرى من الوظائف الثابتة وطيدة الأركان فى الدول الإسلامية.
ومع توسع الدولة وتنامى الغش والفساد فى كثير من الحرف والمعاملات تطورت مهمة المحتسب وتحولت من عمل تطوعى إلى مهنة معتبرة، واضطر ولاة الأمر إلى تعيين من يرونه أهلا للقيام بوظيفة المحتسب، ومده بما يحتاج إليه، وإعطاؤه صلاحية مراقبة الأسواق والطرقات وأماكن التجمعات، والنظر فيما يصل إلى علمه أويرفع إليه من تجاوزات أو مخالفات متعلقة بالغش والتدليس ، خاصة فى المكاييل والموازين، وإجبار المماطلين على الوفاء بما عليهم من ديون أو استحقاقات، لكن دون أن يكون له حق إصدار الأحكام القضائية، فحدود مهمته منع المخالفات الظاهرة ومعاقبة مرتكبيها فى ما يخضع لرقابته، أما ما يحتاج إلى أدلة وشهود مما يختص بالقضاء فيرفعه إلى القاضى للفصل فيه. وكانت الحسبة فى كثير من الدول الإسلامية داخلة فى عموم ولاية القاضى يولى فيها باختياره.
ومع تطور الدولة الإسلامية واتساع رقعتها طور المحتسبون الحسبة وجعلوا لها قوانين «يتداولونها ويتدارسونها كما تتدارس أحكام الفقه؛ لأنها عندهم تدخل فى جميع المبتاعات، وتتفرع إلى ما يطول ذكره» كما يقول المقرى فى «نفح الطيب». وهكذا يتضح أن الحسبة لا تتعلق بالوصاية على حرية الفكر والإبداع، ويختلف مفهومها عن تطبيقاتها فى الوقت الحاضر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.