يبدو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يدرك لا في سنوات ولايته الأولي ولا في ما انقضي من ولايته الثانية, وحتي الآن ورغم تقارير مخابراته واستخباراته ورغم تحذيرات ونصائح أصدقاء دولته بأن مكانة الولاياتالمتحدة الدولية لم تصل علي مدي تاريخها الطويل وعمرها المديد إلي ما وصلت إليه من ترد وتراجع وتقزم في عهده غير المحمود, حيث إن صورتها لم تصل إلي كل هذا التشوه والاهتزاز في العالم بأسره سواء علي مستوي الشعوب أو علي مستوي الدول والأنظمة, كما وصلت إليه في الأعوام الخمسة الأخيرة! وتحت عنوان' هل أصبح أوباما رئيسا ديكتاتوريا؟' كتبت ليندا فيلدمان مقالا مطولا في جريدة كريستيان ساينس مونيتور تشرح فيه التحذيرات من خطورة تطورات الوضع السياسي الداخلي في الولاياتالمتحدة علي نحو ينذر بتحول نظام الحكم الديمقراطي الذي يفتخر البلد به, وجعل تمثال الحرية في نيويورك رمزا له, إلي ديكتاتورية أوبامية, وذلك بعد أن وضع أوباما الكونجرس أمام خيارين إما العمل معه أو أنه سيضطر إلي الالتفاف عليه إذا لزم الأمر لتمرير مشروعات القوانين, وهو ما اعتبرته الكاتبة تهديدا غير واضح ويتضمن الكثير من الغطرسة علما بأن أحد المباديء الأساسية في الولاياتالمتحدة هو التوازن بين السلطات. وبينما توجهت أنظار الشعب الأمريكي إلي خطاب الاتحاد السنوي الذي ألقاه الرئيس أوباما صباح أمس أمام جلسة مشتركة للكونجرس الأمريكي ومجلسي الشيوخ والنواب في مبني الكابيتول, رأت ليندا أن الرئيس أوباما فشل في تأدية مهام منصبه علي نحو خطير, وأنه أساء استغلال سلطاته التنفيذية علي نحو غير مسبوق, مؤكدة أن هذا الخطاب لم يأت بجديد ولن ينقذ شعبية أوباما المتدنية, ففي الإستطلاع الأول الذي أجرته صحيفة واشنطن بوست وشبكة إيه بي سي الأمريكيتان كشف عن رفض50% من الأمريكيين طريقة أوباما في إدارة البلاد, بينما أوضح استطلاع رأي جديد لجامعة كوينيبياك أن معظم الأمريكيين يرون أن الرئيس الأمريكي غير كفء, ويري49% من الشعب الأمريكي أنه غير صادق وغير جدير بالثقة. وافندت الكاتبة عدة قضايا رئيسية أسهم تعامل الإدارة الامريكية السيئ معها في تدني شعبية أوباما ومنها برنامج الرعاية الصحية الشامل, الذي كاد يتسبب في إفلاس الحكومة والذي أكد بعض الخبراء أن مشكلته أكبر بكثير من مسألة فشل موقع إلكتروني, وستحتاج إلي أكثر من مجرد( عملية معالجة تقنية) لإصلاحه, فالموقع الإلكتروني يقدم برهانا واضحا بكل ما تحمله الكلمة من معني علي أن الحكومة الفيدرالية تعاني نقص الأدوات المناسبة واللازمة لإدارة عملية الرعاية الصحية للأمريكيين بشكل حيوي, والدليل علي ذلك هو أن قطاعا واسعا من المواطنين الأمريكيين عبروا عن خيبة أملهم من جدوي هذا البرنامج بعدما فرض عليهم دفع رسوم شهرية قد لا تتحملها كثير من الأسر في ظل ركود اقتصادي تعاني منه البلاد, حيث أن عدد المتقدمين لبرنامج الرعاية الصحية لم يتجاوز40% من النسبة المستهدفة والمقدرة ب7 ملايين مواطن أمريكي. ومن الأمور الشائكة الأخري التي تتطلب ضوءا أخضر من الكونجرس, ملف إصلاح قانون الهجرة, حيث يطمح أوباما إلي إيجاد تسوية لوضع حوالي11 مليون شخص يقيمون بصفة غير شرعية علي أراضي الولاياتالمتحدة, وكان مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون قد تبني إصلاح الهجرة في27 يونيو من العام الماضي وينص مشروع القانون وفي إطار شروط صارمة وبعد فترة انتقالية لا تقل عن13 عاما, علي إعطاء الجنسية الأمريكية للأشخاص الذين يعيشون بشكل غير شرعي في الولاياتالمتحدة, ولكن قبل أن يوقعه أوباما, يجب أن يتم التصويت عليه في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون وبعضهم ضد أي إجراء يبدو وكأنه' عفو' عن المهاجرين غير الشرعيين. ولعل الغطرسة الأوبامية برزت أيضا كما تري ليندا في موضوع استخدام الولاياتالمتحدة للطائرات بدون طيار, حيث إن البيت الأبيض أجاز شن هجمات بها في أربع دول علي الأقل هي: أفغانستان وباكستان واليمن والصومال, وبحسب التقديرات فإن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والجيش الأمريكي نفذوا أكثر من300 ضربة باستخدام الطائرات بدون طيار, مما أدي إلي مقتل نحو2500 شخص. وتتساءل الكاتبة كيف لأوباما الذي إنتقد' الحرب علي الإرهاب' في عهد بوش منذ عدة سنوات أن يكون قاسيا وغير مبال لسيادة القانون تماما مثل سلفه؟ مؤكدة أن استخدام إدارة أوباما لهذه الطائرات يشجع علي سباق جديد للتسلح من شأنه أن يساعد علي تمكين منافسين حاليين ومستقبليين, ويضع الأساس لنظام دولي تتصاعد فيه وتيرة أعمال العنف. أما بخصوص ملف مساعدات العاطلين عن العمل, فمن المنتظر أن يطلب أوباما من الكونجرس في الوقت الراهن تمديد برنامج المساعدات منذ فترة طويلة والذي انتهي بالنسبة ل1.3 مليون مواطن في28 ديسمبر الماضي لعدم إعطاء أعضاء الكونجرس الضوء الأخضر لاستمراره, لاسيما وأن بعض خصوم أوباما من الجمهوريين يرون أن هذا البرنامج لم يعد ضروريا مع انتعاش قطاع التوظيف, حيث تدنت نسبة العاطلين عن العمل إلي7% في نوفمبر بعد أن كانت تبلغ10% في أشد الأزمة التي اندلعت عام.2008 وفي نهاية المقال تري الكاتبة أنه علي الرغم من أن أوباما لن يواجه الناخبين مرة أخري, فهذه هي الولاية الثانية والأخيرة بالنسبة له, فإنه يبدو وكأنه يريد أن يترك إرثا وطنيا تتذكره به الأجيال القادمة, ولكن يبدو أن جل ما سيتركه أوباما وراءه هو فضيحة تجسس عالمية وبطالة آخذة في الإرتفاع ووضع إقتصادي مترد وحكومة منقسمة!