تصوروا أنكم من هؤلاء الفتيان أو الفتيات الذين يسكنون في مناطق ريفية فقيرة وأن آباءكم يعانون لإدخالكم إلي المدرسة. وتصوروا أنكم تمكنتم في نهاية المطاف من الالتحاق بالتعليم, شأنكم في ذلك شأن50 مليون شخص آخر في العالم منذ عام.2000 والسؤال الذي يطرح عندئذ بسيط: ما الذي ستتعلمونه؟ والجواب للأسف هو القليل. يواجه العالم اليوم أزمة تعلم كبيرة. فمع أن أعدادا متزايدة من الفتيات والفتيان يلتحقون بالمدارس, وهو أمر يبرز الجهود الهائلة التي تبذلها الحكومات في شتي أنحاء العالم, فإن النظم التعليمية تعجز عن تزويد الشباب بما يحتاجون إليه من مهارات ومعارف لتحقيق طموحاتهم. ويظهر الإصدار الجديد من تقرير اليونسكو العالمي لرصد التعليم للجميع المعنون التعليم والتعلم أن250 مليون طفل يعجزون عن اكتساب المهارات الأساسية للقراءة والكتابة والحساب, وذلك حتي بعد قضاء سنوات عديدة في المدرسة. فأربعون في المئة من الشباب في إفريقيا جنوب الصحراء الكبري, التي تعد أشد المناطق تأثرا بأزمة التعلم, لا يستطيعون قراءة جملة بسيطة بسبب عدم انتفاعهم إلا بقدر ضئيل جدا من التعليم أو بسبب التردي الحاد في جودة التعليم الذي يتلقونه. وتشير البيانات إلي أن الأطفال الذي يولدون في أسر فقيرة يحتمل أن يكتسبوا قدرا أقل من المعارف مقارنة بالطلاب الآخرين, حتي عندما يعيشون في بلدان عربية غنية. فاحتمالات التعلم الفعلي لدي الطلاب الفقراء في سلطنة عمان, علي سبيل المثال, شبيهة بالمتوسط المسجل في بلدان أقل ثراء بكثير مثل غانا. وتعد الفتيات والنساء أشد الفئات تأثرا بهذا الواقع, إذ تفيد تقديرات اليونسكو بأن الإناث في جنوب وغرب آسيا يمثلن ثلثي عدد الشباب غير القادرين علي القراءة. ويترتب علي أزمة التعلم تفاقم في حالات التمييز. فالأطفال المنتمون إلي أسر أوفر حظا من غيرها يتلقون التعليم علي أيدي معلمين ينتفعون بأفضل ما يتوافر من تدريب وموارد. أما الأطفال الأشد حرمانا, فيدرس لهم معلمون لايحصلون إلا علي أقل قدر من التدريب والدعم. وعملت الحكومات علي مدي سنوات عديدة لضمان التحاق الأطفال بالمدارس, وبات علينا اليوم أن نركز علي جودة المعارف التي يكتسبونها, وهو أمر يقتضي التركيز علي المعلمين. فالمعلمون يؤدون دورا أساسيا في معالجة أزمة التعلم. والمعلمون يؤدون دورا أساسيا في تعزيز حقوق الإنسان وكرامته, وإعداد مواطنين نشيطين وملتزمين, وتأمين الظروف المناسبة للقضاء علي الفقر وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة. وجودة التعليم هي مسألة تخص البلدان المتقدمة والبلدان النامية علي حد سواء. والواقع هو أن جودة أي نظام تعليمي ليست إلا تجليا لجودة مهارات المعلمين. وما من أمر يمكن أن يحل محل معلم جيد. وبغية ضمان تكافؤ الفرص لصالح جميع الأطفال, أعتبر أنه علينا العمل علي أربعة مستويات. أولا, يتعين علي الحكومات أن توظف معلمين من خلفيات متنوعة لإبراز تجارب الأطفال في قاعات الدراسة. فعلي سبيل المثال, التزمت أفغانستان بزيادة عدد المعلمات بنسبة50 في المئة هذا العام لسد فجوة التعلم بين الفتيات والفتيان. وثانيا, ينبغي لنا توفير تدريب أفضل للمعلمين لمساعدتهم علي مساندة التلاميذ المحرومين. وتتوافر في هذا الإطار عدة أمثلة جيدة يمكننا الاسترشاد بها, وهو الحال مثلا في ملاوي التي تتيح للمعلمين الجدد تدريبا يمكنهم من اكتساب الخبرات اللازمة لتدريس الأطفال المنتمين إلي الفئات المحرومة والضعيفة. وثالثا, يجب أن نقدم إلي المعلمين حوافز تشجعهم علي التدريس في المناطق النائية والمناطق التي تعاني من نقص في خدمات التعليم. وبإمكاننا, هنا أيضا, أن نستفيد من الاستراتيجيات التي تحقق نتائج جيدة في هذا الصدد. فجمهورية كوريا مثلا توفر إعانات وفرص ترقية للمعلمين المؤهلين وذوي الخبرات لتمكين الفئات المحرومة من الانتفاع بتعليم جيد. ويجب أن نقدم إلي أفضل المعلمين حوافز تتيح استبقاءهم في مهنة التدريس, وذلك عن طريق تزويدهم بمسارات مهنية جذابة وعقود مأمونة وأجور عادلة. ففي الكثير من الحالات, تتوقع البلدان تحقيق المعجزات من دون إعطاء الأولوية للتعليم. والأهم من ذلك كله هو ضرورة أن تعترف الحكومات بأن المعلمين الجيدين يحتاجون إلي نظام تعليمي جيد تتوافر فيه مناهج دراسية استيعابية تنفذ بالوتيرة المناسبة, فضلا عن أدوات فعالة لتقييم الأداء في قاعات الدراسة تتيح تحديد الطلاب الأكثر احتياجا إلي الدعم ومساندتهم. والرهانات المرتبطة بالتعليم رهانات كبيرة, وهو أمر يتجلي بوضوح في ما ذكرته معلمة من بيرو اسمها آنا عندما قالت لنا اخترت أن أكون معلمة لأنني أؤمن بأن التعليم قادر علي تغيير المجتمع الذي نعيش فيه. إنه الالتزام الذي يجدده المعلمون كل يوم في قاعات الدراسة. ومن مسئوليتنا أن نساعدهم لأن ذلك هو السبيل الأمثل للنهوض بحقوق جميع الفتيات والفتيان وتعزيز كرامتهم ولبناء مجتمعات أكثر انفتاحا وعدلا. وصحيح أن تغيير السياسات ينطوي علي تكاليف معينة, ولكن أزمة التعلم تنطوي هي أيضا علي تكاليف تصل سنويا إلي129 مليار دولار علي الصعيد العالمي, حسب تقديرات اليونسكو. وإذا لم نتخذ التدابير اللازمة الآن, سوف تثقل هذه التكاليف كاهل أجيال عديدة وترتفع كثيرا مع الوقت. ولا يمكن للعالم, ببساطة, أن يتحمل أمرا كهذا. لمزيد من مقالات ايرينابوكوفا