بكل المعايير نستطيع أن نقول إن يومي الاثنين 23 يناير الحالي (اليوم المقرر لانعقاد الجلسة الأولي لمجلس الشعب) والأربعاء (الذكري الأولي لثورة 25 يناير2011) سيكونان يومين حافلين في التاريخ المصري علي الرغم من كل مشاعر الحذر والترقب التي تشغل الجميع بسبب وجود انقسامات وخلافات في الرؤي والمواقف بين كثير من القوي السياسية الحزبية والشبابية حول ما سوف يحدث, أو ما يجب أن يحدث, في هذين اليومين. ففي الوقت الذي يتهيأ فيه المصريون, بعد جهود انتخابية مرهقة ومضنية للاحتفال بانعقاد أول برلمان ديمقراطي حقيقي يعد من أهم ثمار الثورة المصرية العظيمة, هناك من يهددون بمنع انعقاد الجلسة الأولي لمجلس الشعب, دون تحديد الكيفية التي سوف يمنعون بها ذلك, هل ستكون علي غرار الاعتصام الذي جري أمام مجلس الوزراء لمنع دخول الدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء الجديد مبني المجلس اعتراضا علي اختياره لهذا المنصب أو أن هناك وسائل أخري سوف يتم اللجوء إليها لتحقيق هذا الغرض, وهناك من يكتفون بالتشكيك في شرعية مجلس الشعب من منطلق ليس له أي علاقة بالشرعية أو بالديمقراطية وهو أنه جاء بقوي اليمين المصري إلي الحكم وبالتحديد اليمين الديني, أي أنه إذا جاء بأغلبية ليبرالية أو يسارية فإنه سيكون شرعيا, أو أنه فرض الأحزاب التقليدية علي برلمان الشعب دون مشاركة شباب الثورة, وهناك فصيل ثالث يرفض المجلس باعتباره تعبيرا عن الممارسة الديمقراطية,مثل هذه الأفكار والرؤي تؤكد أن هناك خللا هائلا في الوعي السياسي والنزاهة الوطنية لدي الكثيرين ممن يريدون عرقلة انعقاد مجلس الشعب أو ممن يحرصون علي النيل من أهميته كاختيار شعبي حقيقي ويحاولون نزع الشرعية عنه للأسباب التي أشرنا إلي بعضها, في الوقت الذي يطالب فيه معظم هؤلاء من المجلس الأعلي للقوات المسلحة بسرعة تسليم السلطة. وهنا يجدر التساؤل: لمن ستسلم السلطة, إذا كان هؤلاء يزعمون أن مجلس الشعب المنتخب ليس شرعيا؟, وكيف يمكن التشكيك في جدارة الاختيار الشعبي للنواب ونسبة المشاركة تجاوزت ال60% في معظم المراحل, وأن عدد الأحزاب المشاركة في عضوية المجلس غير مسبوق ومتعدد الانتماءات ومعبر عن التيارات السياسية الأربعة الأساسية: الإسلامي والليبرالي والقومي الناصري واليساري بنسب ربما تعكس الأوزان السياسية لهذه التيارات في اللحظة الراهنة, كما أن شباب الثورة شارك مشاركة حقيقية في هذه الانتخابات عبر قائمة تحالف الثورة مستمرة التي ضمت سبعة أحزاب (حزب التحالف المصري, وحزب مصر الحرية, وحزب المساواة والتنمية, وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي, والحزب الاشتراكي المصري وحزب التيار المصري), وهي كلها أحزاب جديدة تأسست بعد الثورة وبمشاركة قوية من شباب الثورة, إضافة إلي ائتلاف شباب الثورة المكون من أعضاء يمثلون شباب الإخوان المسلمين وحركة شباب من أجل العدالة والحرية هنغير, وشباب6 أبريل, وشباب الجمعية الوطنية للتغيير وشباب حزب الكرامة وشباب الجبهة الديمقراطية, وشباب حزب التجمع, وشباب الاتحاد التقدمي, وشباب مستقلين ومدونين وناشطين. هذه المشاركة من كل هذه الأحزاب والقوي السياسية والشبابية, وإشراف القضاء علي العملية الانتخابية بكل مراحلها والارتفاع الهائل لنسبة المشاركة الشعبية, كلها أمور تؤكد شرعية المجلس, وإذا أضفنا إلي ذلك مدي حساسية وخطورة المرحلة التي تمر بها البلاد والحرص الشديد علي إنهاء المرحلة الانتقالية بسلام من أجل تسليم السلطة من جانب المجلس العسكري لسلطة وطنية منتخبة (برلمان ورئيس جمهورية), والاستفتاء علي دستور وطني ديمقراطي يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية بمرجعية إسلامية لتبين مدي خطورة دعوة عرقلة انعقاد مجلس الشعب أو التشكيك في شرعيته ونزاهته, وتمثيله الحقيقي للإرادة الوطنية الشعبية, وهذا ما يفرض ضرورة التصدي الشعبي الواعي لمثل هذا الأمر الخطير من أجل تهيئة كل الظروف المناسبة لنجاح انعقاد هذه الجلسة التاريخية التي تعتبر وبحق, الخطوة الأولي, نحو إنجاح الثورة والتأسيس لبناء نظام وطني ديمقراطي, خصوصا بعد توافق الإرادة الوطنية علي الوثيقة التي أعلنها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب باسم اللقاء الوطني لاستعادة روح ثورة 25 يناير يوم12 يناير الجاري. الوعي بضرورة إنجاح انعقاد جلسة مجلس الشعب, والقبول بما تضمنته تلك الوثيقة بل والافتخار بها لما تضمنته من قيم ومبادئ وتوافقات سياسية بين كل القوي الوطنية بمشاركة من الأزهر الشريف ممثلا في شيخه وبمشاركة من البابا شنوده الثالث بابا الإسكندرية وعدد من رؤساء الكنائس المصرية, وبحضور رئيس الحكومة الدكتور كمال الجنزوري وقادة ورؤساء العديد من الأحزاب السياسية والائتلافات الشبابية, ورموز من النخب الوطنية المثقفة, يمكن أن يكون صمام الأمان للاحتفال بالذكري الأولي لثورة 25 يناير 2011 علي الرغم من استمرار الخلافات حول مفهوم هذا الاحتفال وما يعنيه, فالخلاف حول ما يجب أن يحدث يوم 25 يناير, هل سيكون احتفالا بعيد قومي عظيم أو تظاهرات واعتصامات تؤكد أن الثورة لم تكتمل بعد وأنها مازالت مستمرة, وأن الأهداف التي قامت من أجلها يجب أن تتحقق لا ينفي أبدا ضرورة أن يأتي التعبير عن هذا كله سلميا, فليس هناك أي تعارض في المعني بين أن نحتفل بمرور عام علي الثورة, وأن نؤكد استمرار وتواصل الفعل الثوري إلي أن تحقق كل الأهداف التي قامت الثورة من أجلها. فقد طالبت هذه الوثيقة بإتمام عملية تسليم السلطة لحكومة مدنية في موعدها المحدد دون إبطاء, ومنع المحاكمات العسكرية للمدنيين, والإفراج عن كل المعتقلين السياسيين, وضرورة استعادة دورها الريادي العربي والإقليمي والدولي, وعودة القوات المسلحة إلي الاضطلاع بدورها السياسي في حماية البلاد وأمنها القومي إضافة إلي12 التزاما وطنيا لاستعادة روح الثورة وهي التزامات تتضمن إصرارا علي استمرار الفعل الثوري وإكمال الثورة لأهدافها التي قامت من أجلها, وهي التزامات لا يشترط أن تتم فقط في المرحلة الانتقالية, ويكفي لهذه المرحلة أن تشهد تأسيس مؤسسات حكم وطنية ديمقراطية (البرلمان ورئيس الجمهورية) وإعداد وإقرار الدستور الوطني المأمول واستفتاء الشعب عليه, كي تهيأ الفرص المناسبة لتحقيق أهداف الثورة في الحرية للوطن والمواطنين, والعدالة الكاملة الشاملة (القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية), وتحقيق الكرامة الإنسانية والسيادة والإرادة الحرة للوطن المصري. إذا اتفقنا علي هذا كله وشرعنا في تأكيده أولا بجعل يوم 23 يناير يوما وطنيا مشهودا لإطلاق أول تجربة في الحكم الوطني الديمقراطي من خلال إنجاح انعقاد الجلسة الأولي لمجلس الشعب, وثانيا بجعل يوم 25 يناير عيدا وطنيا حقيقيا, نتعاهد فيه علي إكمال ثورتنا وحمايتها, فإننا سنكون جديرين بأن نكون بحق شعب ثورة 25 يناير 2011 المزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس