تمر مصرنا الحديثة بمرحلة فارقة شارفت علي اجتياز ظروفها العصيبة التي كان لها تأثير سلبي علي حياة كل مصري وأمنه وعمله, حتي أصبح يتطلع بإلحاح إلي الاستقرار والانطلاق إلي الآفاق. ولذا أصبح لزاما علي كل من يرجو ذلك ويؤمن به أن يسارع دون تراخ إلي أداء واجبه نحو تحقيق ذلك متمثلا في الأهداف التي نادت بها ثورتنا الشعبية وقوامها بناء حكم ديمقراطي يقود البلاد إلي غاية ما نصبو إليه جميعا من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية ولما كان الدستور هو اللبنة الأولي في بناء مصرنا الحديثة, فإن القدر المتيقن أن هاماتنا قد تعزز ارتفاعها عندما رأي العالم الملايين الغفيرة من رجال ونساء وشباب المصريين خرجت يومي الاستفتاء علي الدستور لتعلن أنه آن الأوان لوضع حجر الأساس لبناء مصر الحديثة في ظل حكم ديمقراطي سليم. ما يجدر التنويه إليه أن اختلاف الرؤي في النصوص الدستورية لا تثريب عليه طالما, أنه لا يعرقل المسار, بل هو اجتهاد محمود الأثر. فإذا كان باب الاجتهاد مفتوحا في تفسير وتطبيق أحكام الكتب السماوية ومع ذلك لم ينل من عظمتها وسموها البتة إن الجدل الأكاديمي حول مواد الدستور أو بعضها بلوغا إلي استنهاض غاية الأمر منها لم ينل من قوة الدستور كقاعدة للبناء الديمقراطي في ربوع البلاد, بل يدعمه ويحيطه بآفاق من التفسيرات العلمية المقارنة التي تساعد المشرع القانوني علي استقراء أفضل التطبيقات والصياغات للتشريعات المزمع إصدارها. ولا يغيبن في هذا المقام أن الدستور في إرسائه القواعد الأساسية للبناء الدستوري في إطارها العام لا يخاطب الشعب بل يخاطب المشرع لإصدار التشريعات التي تنظم الحقوق والواجبات. وما لنا إلا أن الدستور يرسم الإطار العام للحقوق المشروعة والواجبات المطلوبة التي تتفق مع ظروف المجتمع وتطلعاته. وبحسبنا أن لجنة وضع الدستور التي تمثلت فيها جميع طوائف الشعب قامت بواجبها بإخلاص واضح متوخية التوافق حول المصلحة العامة لجموع فئات الشعب بأسرها. أما عن المجلس النيابي فإني اتطلع إلي أن وعي الشعب الذي مر بتجربة قاسية اكتسب منها رؤية واضحة لمتطلبات مساره, وتفهم دوره الأساسي في تحقيق مصيره, وأيقن من بعد أنه يجب أن يتجه إلي مصلحة الوطن العليا مغلبا ذلك علي أي توجهات ذاتية سيدعو الناخبين علي اختلاف مشاربهم وطبقاتهم إلي حسن اختيار ممثليهم بنظرة متأنية مخلصة لوطنهم. أما عن الحكومة فقد أصبح علي المجلس النيابي أن يدعم الحكومة القادرة علي وضع وتنفيذ خطة استراتيجية شاملة للإصلاح والتنمية تكون مسئولة أمام المجلس عن تطبيقها بما يكفل توفير الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية للشعب بجميع فئاته دون أن تعوقها أية نظرة مترددة بين الإقدام علي الإصلاح السياسي أو التأني فيه لصالح الإنقاذ الاقتصادي, ذلك أن الإصلاح الشامل أصبح مطلبا شعبيا لا يسوغ إغفاله أو التراخي في تحقيقه. وأصبح علي الحكومة من ناحية أخري أن تعني بالتواصل مع الشعب علي أن يستوعب كل من الطرفين بوضوح وفي عجالة حقيقة دوره في المرحلة القادمة فيبدأ التقارب من جانب الحكومة بوسيلة ومنهاج واضح يتقبله نواب الشعب في المجلس النيابي, ويستجيب الشعب من ناحيته لهذا النمط الجديد من دعائم الحكم متفهما أن الركب متجه إلي مصلحة الوطن مغلبا ذلك علي أي توجهات ذاتية تتناثر بها الرؤي فيتراخي الوصول إلي الهدف المنشود وذلك في ظل توافق بين الطرفين علي أن إقامة الدولة الديمقراطية التي نادت بها الثورة ولما تزل, لن تتحقق دون المشاركة في صنع المستقبل والاتفاق علي أسس الاصلاح السياسي والاقتصادي للدولة الحديثة, وكلها أمور لا يمكن أن ينفرد بها أحد الطرفين دون الآخر. بالنسبة إلي اختيار رئيس الجمهورية, لا خلاف علي أن الفريق أول عبد الفتاح السيسي بطل قومي سيسجل له تاريخ مصر المعاصر وطنيته الصادقة وشرف مقصده وصلابة موقفه في حماية البلد وثورتها الشعبية من ضراوة التحديات التي واجهتها من الداخل والخارج, ولذا اكتسب شعبية جارفة نادت به رئيسا لجمهورية مصر الحديثة. غير أن الرأي منقسم لدي طائفة لها وزنها من المثقفين بين قائل بأن ظروف البلد تتطلب رئيسا قويا قادرا علي قيادة البلد وإرساء الاستقرار والأمان الذي افتقده الشعب لسنوات مضت, وأن شخصية هذا البطل المخلص تتقدم الصفوف كمصري أصيل من أبناء الوطن كفيل بتحقيق هذا الهدف. وقائل من ناحية أخري بأن البلد في ظروفها الحالية في احتياج شديد لهذا القائد في موقعه الحالي علي رأس قواتنا المسلحة بعد أن ثبت أنه القادر بتوفيق من العلي القدير علي حماية الوطن بخير أجناد الأرض. الواقع أن هذا البطل مازال بوطنيته الصادقة يبدو راغبا في البقاء في منصبه وعدم الترشح للرياسة, فإن عدل فجموع الشعب تتطلع إليه ولست أظن أن منازلا سيتمكن منه, وإن أصر علي موقفه, فما لنا إلا أن ندعو الله أن يحفظ هذا البلد ويحقق لها المصلحة والاستقرار والأمان في ظل حكم ديمقراطي تعلوه قمة من أخلص الرجال وأصدقهم وأحقهم بالإجلال والاحترام في الداخل والخارج. لمزيد من مقالات المستشار: أحمد مهدي الديواني