طالب علماء الدين جميع المصريين بالتفرغ لبناء الوطن بعد الاستفتاء علي الدستور, والذي يعد اللبنة الأولي في طريق الخروج من المرحلة الراهنة, والقضاء علي المحاولات المستمرة لاستغلال مشاعر المصريين باسم الدين لتحقيق مكاسب سياسية, كما طالبوا بالتصدي لمحاولات نشر التعصب الممقوت بين الشباب, الذين تحولوا إلي قنابل موقوتة تنفجر في أبناء وطنهم, وتخرب المنشآت العامة والخاصة, وتغتال الدماء البريئة والأنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق, وذلك بعد أن استطاع رموز وقادة هذه الجماعات أن يغرروا بالشباب ويضللوهم مستغلين ما فيهم من حماسة وحمية للدين, فأعادوا تلك العصبية الجاهلية المقيتة التي نهي عنها الإسلام. أكد العلماء أن الحل الوحيد يتمثل في أن تقوم الدولة بتبني الرسائل العلمية المتميزة في جامعة الأزهر, وطباعة تلك الرسائل, لأن هذه الحركات التكفيرية تمتلك إمكانات مادية هائلة تستخدمها في نشر مؤلفات هذا الفكر. وتقديم الدعم اللازم للمؤسسة الأزهرية للقيام بواجبها الدعوي والتنويري ونشر الفكر الوسطي المعتدل. كما طالبوا مؤسسات الدولة بنبذ العنف والتصدي للفكر التكفيري والعصبية البغيضة, مؤكدين أن المتاجرة بالدين خيانة, وأن الشريعة الإسلامية لا ترتبط بأي فصيل وأن الوطن أبقي من الجميع. متاجرة بالدين ويقول الدكتور حامد أبو طالب, عضو مجمع البحوث الإسلامية, إن أسلوب استخدام الدين للوصول لأهداف سياسية رخيصة سلوك معيب, ويجب علينا جميعا أن نتصدي له وأن ندحره لأنه يهين الدين ويجعله وسيلة لأهداف دنيوية, فالأصل أن الدين لنجاة الإنسان في الآخرة وتحسين أخلاقه في الدنيا مع من يتعامل معهم, فلا يصح أبدا أن نستخدم هذا الدين الذي ترجي به الآخرة للوصول للدنيا, ومن يفعل ذلك يهزأ ويسخر بعقلية المصريين ويستغل عاطفتهم وحبهم للدين للوصول إلي أهداف معينة, لكن هذه الوسائل لن تنجح, والله سبحانه وتعالي سيكشف أفعال من يفعلون ذلك, فالشريعة ليست مرتبطة بوجود فئة بعينها في السلطة, ولابد أن يقوم العلماء والدعاة بدورهم في كشف هذه الأساليب التي تستخدم الدين للوصول للحكم, منعا لتضليل الناس وحفاظا علي مصالح الوطن العليا. مزايدة مرفوضة من جانبه يقول الدكتور محمد الشحات الجندي, عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق, إنه في هذه الفترة التي تمثل مرحلة فارقة في تاريخ المجتمع, ينبغي عدم المزايدة علي الدين الإسلامي, الذي جاء لإسعاد الناس وتحقيق مصالحهم في كل شئون الحياة, لذلك فإن هذا الدين بمبادئه ومقاصده العليا لا ينبغي أن يستغل لصالح فئة أو حزب أو جماعة أو نظام, لأن هذا الدين فوق كل ذلك, وخاصة إذا كان هذا التوظيف للدين إنما قصد به في الأساس اعتلاء سدة الحكم, ولو كان علي جثث أبناء الوطن, وتخريب المنشآت والممتلكات, وذلك لأمور تتعلق باستعادة السلطة والتمكين, مشيرا إلي أنه من الإشكاليات التي يراها كل من يتأمل في المشهد الراهن أن يري الاستخدام الزائف لمصطلحات مثل الجهاد والشهادة في سبيل الله والجنة والنار والشريعة, وهذه كلمات حق أريد بها باطل, لأن هذه المصطلحات إنما تثار في وجه أعداء الدين والوطن, واستخدام هذه المصطلحات إنما بغرض دغدغة مشاعر الناس, لتحقيق مصالح حزبية وسياسية علي مصلحة الوطن. عصبية بغيضة وأوضح الدكتور الشحات الجندي أن هؤلاء الذين يحاولون بكل الطرق أن يوقفوا مسيرة الوطن والأمة, إنما يراهنون علي أمور غير مشروعة, وهي فرقة هذا الوطن وتعطيل الإنتاج والعمل, من خلال الحشد والمصادمات التي نشاهدها بين الحين والآخر, لأن هذه الدعاوي هدفها نشر الفوضي وإفشال مسيرة الوطن والأمة, ويستخدمون بعض المصطلحات التي تمثل متاجرة بالدين, وهؤلاء الإسلام منهم بريء, فكيف يرفعون هذه الشعارات ويوجهون سهامهم لأبناء الوطن والعقيدة, فهذا تجسيد للمتاجرة بالدين وعدم فهم للنصوص الشرعية. وأضاف: إن التعصب آفة من الآفات التي يعيشها بعض شرائح المجتمع بالانسياق وراء فكر مضلل باسم الإسلام واستمساكا بأحكامه ومبادئه التي جاء بها وتوظيف ذلك الفهم للنصوص وتفسير وتوجيه دلالات هذه النصوص لما يؤدي إلي خدمة فصيل أو جماعة جعلت العودة إلي السلطة هدفا لها يضحي في سبيلها بدماء الأبرياء, وتخرب بسببها المنشآت العامة, ويعتدي فيها علي حماة الوطن والقائمين علي أمنه وسلامته, يمثل انحرافا واضحا عن قيمة عليا من قيم الإسلام, وهي إقامة المجتمع علي أساس المودة والسلام والتسامح إزاء الرأي الآخر, وقبول الآخر المخالف في الدين والجنس واللون والهيئة الاجتماعية غافلين عن مقاصد جوهرية جاء بها الدين الإسلامي وجميع الشرائع المتحضرة التي قدسية حق الحياة لكل إنسان والحفاظ علي الأموال والممتلكات العامة والخاصة واحترام حق الخلاف وحماية المختلفين في الرأي علي أساس أن الاختلاف في الرؤي والاجتهادات في الشئون السياسية والمجتمعية أمر فطري وطبيعي يقره الإسلام ويجعله عنوانا علي الثراء الإنساني, مصداقا لقوله تعالي( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين). وكان من الواجب علي من رفع راية الإسلام في الحكم وأعلن عن نموذجه في الحياة والاجتماع ألا يحتكر الأفهام, وألا يصادر علي العقول, وألا يقدم فكرا مغلوطا باعتباره الإسلام الذي يجب اتباعه والتضحية في سبيله, وأن الحلال هو ما أحله هذا الفصيل أو تلك الجماعة, وأن الحرام هو ما يؤخذ من قادتهم ورموزهم في انحراف صارخ لقوله تعالي( ثم جعلناك علي شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون). وغاب عن هؤلاء الأدعياء الذين أدانوا جموعا من الشعب والأمة أن يصدعوا بالحق وأن يتبنوا منهج الوسطية الإسلامي, وأن يرجعوا أمر فهم النصوص والاجتهاد في الشريعة إلي أهل الذكر والاختصاص, كما أرشد قوله تعالي( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم), لكن المأساة التي شوهت هذا الدين هو ركوب هذه الجماعة متن الشطط الذي تجلي في إطلاق مقولات باطلة يبرأ منها الإسلام مثل التكفير والجهاد ضد أبناء الوطن والأمة, والاستشهاد من أجل السلطة, وتضليل عقول الشباب والعوام باقتران الإسلام بممارسات آثمة من سفك الدماء وشن الحرب علي أبناء القوات المسلحة والشرطة, وكأنهم يجاهدون الكفرة والمشركين, ويغرسون في عقول الشباب بصفة خاصة أنهم شهداء الدين, وأن كلا منهم يحمل مشروع شهادة مآله الجنة ورضاء الله سبحانه وتعالي, وهو محض كذب وافتراء نهي عنه الإسلام بقوله تعالي( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون), وقول الرسول صلي الله عليه وسلم:لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. وهو المشهد البائس الذي أحدث فسادا عريضا بين أبناء هذا الوطن, مما أسفر عنه سفك الدماء, وإحداث الفرقة بين الأبناء والآباء, وإعلان الحرب علي الأمة, وكأن الإسلام إنما جاء للقتل والتخريب والترويع والتفزيع, ضاربين عرض الحائط بقول الرسول صلي الله عليه وسلم: إذا التقي المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. سبل المواجهة وفي سياق متصل يقول الدكتور علوي أمين, أستاذ الفقه بجامعة الأزهر, إن الفكر التكفيري بقواعده وثوابته, ينتقل منذ أكثر من100 عام من مشايخ هذه الحركات إلي الأجيال التي تليها وحتي أولادهم جيلا بعد جيل, ولديهم تنظيمات وأهداف سياسية ولديهم اقتصاد قوي جدا, ويكفي أنهم قاموا خلال عامين بإنشاء10 قنوات فضائية في مصر, ولذلك أري أن من يدعون أنهم دعاة ويخربون في الفكر الإسلامي, يركبون أحدث السيارات ويسكنون في القصور, فمن أين لهم بهذا ؟, وإنني أطالب الناس بأن يسألوا أنفسهم عندما يأتي لهم داعية ويركب سيارة بنصف مليون ويتحدث معهم عن التقشف وغير ذلك, أن يسألوه من أين له هذا؟, وعلي الجانب الآخر هناك علماء الأزهر الذين يستطيعون الرد علي الفكر التكفيري, ولديهم مئات الرسائل العلمية المتميزة في جميع مجالات الحياة, لكن ضعف الإمكانيات لا تسمح بطباعة هذه الرسائل, وهناك مئات الرسائل في كليات الشريعة وأصول الدين والدعوة توصي اللجان التي تشرف عليها بطباعتها, لكن هذا لا يحدث نتيجة لظروف خارجة عن إرادة الكليات, والحل هنا عند الدولة أن ترعي هذه الرسائل العلمية, وأن تهتم بأبناء الأزهر, لأن هؤلاء لديهم دراسات في فقه الأولويات وفقه الساعة ودارسات علمية ومؤلفات في كل مناحي الحياة. وأشار إلي أن علماء الأزهر الشريف, لديهم مؤلفات كثيرة ورسائل علمية في كل التخصصات تستطيع أن تملأ الساحة لكن ليس لدينا من يمول طباعة هذه الرسائل, فالدارسون من أبناء الأزهر والجامعات الأخري وحتي مفكرو الأمة لا يستطيعون الإنفاق علي كتبهم, إلا بقدر الضرورة وهذه مشكلة كبيرة في هذا المجال, أيضا ليست هناك مؤسسة ثقافة علمية تستطيع أن تستوعب أبحاث العصر.