لا ينكر أحد ما للجمعيات والمؤسسات الخيرية من جهد بارز في مجال العمل الاجتماعي, أما اقتحامها ساحة العمل الدعوي فهذا هو محل النقاش. علي أن الجمعيات والمؤسسات التي علي الساحة المصرية يمكن تقسيمها علي الإجمال إلي جمعيات تعمل في الجانب الاجتماعي والعناية بتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين, ولا علاقة لها بالشأن الدعوي, وهي علي الجملة- ما لم توظف توظيفا حزبيا أو طائفيا أو مذهبيا- تسهم في تخفيف الأعباء عن الفقراء والكادحين, أما إذا وظفت توظيفا حزبيا أو طائفيا أو مذهبيا فإنها تشق صف المجتمع, وتحدث شرخا في بنيانه. والحل يكمن في مراقبة هذه الجمعيات, ومعرفة توجهات أعضائها ومجالس إداراتها, فمن كان يعمل في إطار المصلحة الوطنية شجع وقدمت له التيسيرات التي تؤدي إلي نجاح عمله, أما إذا أدي عملها إلي شق الصف الوطني, فالقاعدة الشرعية أن درء المفسدة مقدم علي جلب المصلحة. والنوع الثاني جمعيات تجمع بين مجالي الدعوة والعمل الاجتماعي, سواء أكان في مجال الصحة, أم في مجال كفالة الأيتام, أم في مجال الإعانات والمساعدات, أم في مجال تحسين الخدمات للمناطق الأكثر فقرا والأشد احتياجا, وتري أنها في حاجة إلي ظهير دعوي لدفع الناس إلي التكافل والتراحم وشرح الأبعاد الشرعية لمشروعاتها, وهذه الجمعيات ينطبق عليها في الجانب الاجتماعي ما ينطبق علي النوع الأول من الجمعيات, وهو الترحيب بعملها مالم يشق صفا أو يؤد إلي فرقة, أو يوظف لصالح فصيل بعينه أو جهة بعينها. فإن خرج أي من الجمعيات عن الخط الوطني فالقانون في ذلك واضح جلي, وهو حل مجلس إدارة أي جمعية يخرج عملها عما تقتضيه المصلحة الوطنية, وتعيين مفوض أمين يدير أمور الجمعية لحين انتخاب مجلس إدارة جديد يراعي المصلحة الوطنية في ضوء مقتضيات القانون. وفي كل الأحوال لابد من مراقبة جادة لأموال جميع الجمعيات سواء في تحصيلها أم في إنفاقها, بحيث تقوم الجهات الرقابية بدورها في تفعيل القانون, بعدم جمع أي أموال دون تصريح, ودون أن يكون ذلك مقابل إيصال رسمي, ومن خلال جهة أو جمعية مشهرة ومعتمدة وتحت المراقبة, وأن تكون جميع وجوه الإنفاق كذلك وفق آليات قانونية واضحة. - النوع الثالث جمعيات لا تقدم أعمالا اجتماعية ملموسة, إنما تعمل فقط في مجال الدعوة أو الثقافة, وهذا النوع من الجمعيات في الغالب الأعم أنشئ لأغراض حزبية أو سياسية أو مذهبية أو شخصية, وأحيانا قد تكون بولاءات غير وطنية تراعي مصالح الدول الممولة أو الراعية أكثر مما تراعي المصلحة الوطنية; بل إن بعضها قد يستخدم في الإضرار بالمصالح العليا للوطن, والعمل علي هدم بنيانه وإشاعة الفرقة بين أبنائه. وربما كان لعدم إعطاء المؤسسات الدينية الرسمية لهذا الجانب الاجتماعي فيما مضي حقه الدعوي بما فيه الكفاية ما يوفر حجة ومبررا لهذه الجمعيات بحاجتها إلي جناح أو ظهير دعوي يدعم عملها الخيري, أما وقد صار للأزهر الشريف ووزارة الأوقاف خط دعوي واضح ومميز يضع خططا دعوية مدروسة تراعي جميع المصالح والجوانب العقدية, والتعبدية, والإيمانية, والأخلاقية, والاجتماعية, والثقافية, وتري أن قضاء حوائج الناس والوفاء باحتياجاتهم الأساسية واجب شرعي ووطني, وتفتح أبوابها لتلقي مقترحات كل الجمعيات في كل ما يدعم العمل الاجتماعي, وهي علي استعداد كامل لتخصيص جزء من برنامجها الدعوي في الخطب والدروس والندوات والقوافل الدعوية والإصدارات والنشرات الدعوية والفقهية والعلمية, لذلك لم تعد هناك حاجة إلي أن يكون لهذه الجمعيات أجنحة دعوية خاصة بها. وإذا كان الفقهاء يقررون أن الجمعة لا تنعقد إلا في المسجد الجامع, وبإذن من الإمام أو نائبه, وأنه لا يجوز الافتئات علي الإمام في ذلك, وقد ألف العلامة الشافعي الإمام تقي الدين السبكي رسالة سماها الاعتصام بالواحد الأحد من إقامة جمعتين في بلد, لأن تعدد الجمع بلا داع يؤدي إلي تشتت المسلمين وتفرق كلمتهم فإن ذلك يؤكد علي أن الخطابة لا يمكن أن تكون كلأ مباحا, للمتخصص وغير المتخصص, المصرح له وغير المصرح; بل ينبغي أن تكون هناك أمور ضابطة وحاسمة, وأن تكون المرجعية فيمن يصلح ومن لا يصلح هو ما ينظمه القانون من إسناد جميع المهام الدعوية ونشر علوم الدين واللغة إلي الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف التي تقوم بالتنفيذ العملي للجوانب الدعوية تحت رعاية الأزهر الشريف وعلي أيدي علمائه وأبنائه وخريجيه من التخصصات الشرعية. وإذا كانت بعض الجمعيات تأخذ بحسم وشدة; بل قد تقصي أو تفصل من يخرج علي الخطة الدعوية التي تحددها وترسمها, وكانت تطلب من خطبائها أن يكونوا علي قلب رجل واحد في توجيه رسالة واحدة تخدم رسالة الجمعية التابعين لها, فليس من العقل أو الإنصاف أن تنكر هذه الجمعيات أو بعضها علي وزارة الأوقاف أن تسعي إلي ما كانت الجمعيات تسعي إليه من جمع وعاظها علي كلمة سواء, وإن كان البون شاسعا بين جمعيات قد يسعي بعضها إلي مصالح خاصة وبين وزارة أعلنت بوضوح شديد أنها وزارة دعوية تعمل في إطار الضوابط الشرعية, ولم ولن تخرج أو تحيد عنها, وأنها وزارة وطنية تعمل لكل ما يحقق مصلحة الوطن والمواطن, فحيث تكون المصلحة فثمة شرع الله. لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة