كان من المفروض أن تركز هذه الحلقة علي بعض التفاصيل التي تلقي الضوء علي جوانب مهمة من علاقة إيران والشيعة في العراق بالغزو الأمريكي للعراق في2003 وبداية التفكيك الممنهج لواحد من أقوي الجيوش في العالم العربي. ووسط رسائل كثيرة تداولها المغردون عن تفاصيل هذه العلاقة المعقدة والغامضة, كانت هناك رسائل رأينا أن نخصص لها هذه الحلقة ملخصها أن الإدارة الأمريكية دفعت200 مليون دولار ل علي السيستاني(أحد أكبر المرجعيات الدينية للشيعة في العراق والعالم)لإصدار فتوي تلزم الشيعة بعدم التعرض لقوات التحالف والقوات الأمريكية بل والتعاون معها وقت غزو العراق. وأهمية تصريح مثل هذا تأتي من أنه يكشف آلية أساسية من آليات الغزو الغربي في المنطقة العربية وهي آلية المبشر ثم الجندي ثم التاجر, والتي تعتمد بصورة كبيرة علي فتاوي الطابور الخامس التي تبرر الغزو دينيا- وتجعله مشروعا وحلالا, فيسهل للجندي احتلال الأرض ويمهد للتاجر الطريق إلي مزيد من الأرباح والصفقات. القرضاوي فعل ذلك في ليبيا عندما أجاز الاستعانة بقوات الناتو, وفعل ذلك أيضا في سوريا عندما قال نشكر الولاياتالمتحدةالأمريكية علي تقديمها أسلحة بقيمة60 مليون دولار للمقاتلين ضد نظام بشار ونطلب المزيد. لماذا لم تفعل أمريكا مثلما فعلت في ليبيا. علي أمريكا أن تدافع عن السوريين وأن تقف وقفة رجولة ووقفة لله وللخير والحق. من هنا كانت أهمية ما قيل عن فتوي السيستاني. ومن تحليل الرسائل لم يكن هناك اختلاف حول صحة التصريح الصادر من داخل دوائر الإدارة الأمريكية, التضارب كان فقط في مصدر هذا التصريح. البعض قال إنه ورد في مذكرات دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي وقت احتلال العراق, والبعض الآخر قال إنه جاء في مذكرات بول بريمر الذي عينه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش حاكما مدنيا علي العراق ومشرفا علي إعادة الإعمار( وتفكيك ما تبقي من الجيش العراقي). وعلي أية حال فقد أنكر رامسفيلد أنه قال إن السيستاني باع لنا العراق ب200 مليون دولار وأنكر أيضا أنه قابل السيستاني من الأساس. ولم ينكر بريمر ذلك بل أكده وأضاف تفاصيل أخري مهمة في مذكراته التي نشرها في2006 تحت عنوان عام قضيته في العراق. وماقاله بريمر يكشف بعض تفاصيل ما حدث في العراق, لكنه في الوقت نفسه يفضح طريقة الإدارة الإمريكية في إدارة علاقتها بالمتعاونين معها من داخل الدولة الهدف. فيقول مثلا ما ترجمته لقد أبلغنا السيستاني بعد التحرير مباشرة ومن خلال قنوات خاصة أنه لن يقابل أحدا من التحالف ولذلك لم أطالب بعقد اجتماع شخصي معه.وقال لي هيوم( محلل سياسي عمل مراسلا في البيت الأبيض لقناة إيه بي سي الأمريكية) الذي يفهم العالم العربي جيدا إن السيستاني لا يمكن أن يقبل بأن يظهر علانية بأنه يتعاون مع قوة احتلال كما أنه يريد أن يحمي جماعته من آخرين من أمثال مقتدي الصدر ولكنه سيعمل معنا فنحن نشترك معه في الأهداف ذاتها. وبينما كانت وسائل الإعلام العربية والأجنبية تتحدث عن الصلات المقطوعة بيننا وبين السيستاني, فإنني كنت علي اتصال مستمر معه حول القضايا الحيوية من خلال الوسطاء. وكان هيوم محقا في تحليله, فقد أرسل لي السيستاني ذات يوم يقول إن عدم لقائه بنا ليس ناتجا عن عداء للاحتلال, وإنما لأنه يعتقد أنه بذلك يمكن أن يكون أكثر فائدة لتحقيق أهدافنا المشتركة, وبأنه سيفقد بعض مصداقيته لدي أنصاره لو تعاون بشكل علني مع مسئولي التحالف. ورغم أن آية الله كان رافضا للالتقاء بسلطات الاحتلال, فإنني تبادلت معه طيلة الشهور الأربع عشرة الماضية عشرين رسالة عبر وسطاء عديدين وهي رسائل اعتبرها من ناحيتي مهمة ومفيد جدا. وكذبت المرجعيات الشيعية في العراق ما ذكره بريمر جملة وتفصيلا, واتهمته أصوات داخل الإدارة الإمريكية وقنوات إعلامها وصحفها بالمبالغةلتضخيم الدور الذي قام به في العراق. وبين الكذب والمبالغة تبقي حقيقة ثابتة عرفها التاريخ منذ التتار وحتي الآن وهي أن الغزو يبدأ من الداخل!