عندما احتل الاتراك مصر.. بهرتهم عبقرية ومهارة العامل المصري.. ووصفوه بأمهر الصانعين.. واستولوا علي كل عمال مصر وحرفييها المتميزين.. وارسلوهم الي الاستانة اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية.. لتزدهر اسطنبول وتتألق بالفعل.. والحكاية هي ان سوق العمل في مصر في تلك الفترة كانت تعتمد علي توارث الابناء مهنة الآباء.. فكان العامل يتقن عمله ابا عن جد.. فيختصر الوقت والمجهود.. حيث ان لكل مهنة اسرارها وتفاصيلها الدقيقة الخلطة السرية والتي تتطلب وقتا كبيرا لاكتشافها وتجاوز صعابها.. بمعني ان العلم قد يصنع الفارق.. ولكن المهارة والابداع تتطلب الموهبة الفطرية والخبرة.. والتي تأتي من تراكمات وراثية وتجارب الاولين. حيث ان العامل الماهر اما ان يكون نتاج سنوات من العمل والاجتهاد او ان يكون وارث خبرة واسرار اجداده وادواتهم التي استخدموها من قبل واكتشفوا فوائدها.. بالاضافة الي فلسفة التعامل مع المستهلك.. والثقة المتبادلة بينهم.. وسياسة فن المحافظة علي المستهلكين.. والتنافس علي ارضائهم هكذا كانت مصر زمان.. والتي لم يعد باقيا منها الا النذر.. وهم بعض اصحاب الصناعات اليدوية.. اما ماهو حاصل اليوم من ثقة مفقودة بين الناس وانهيار معايير الجودة فهو نتاج فوضي سوق العمل.. فالشاب لايجد عملا مناسبا له فيقبل بأول وظيفة تتاح له.. مهما حدث.. فلا هو يجيد عمله ولا يحبه.. فقط هو سبيله الي العيش.. فلا يتفهم سر الامانة ولاآداب ولباقة التعامل مع المستهلك.. وايضا صاحب العمل نفسه يمر بنفس المشكلة.. فهو غالبا مستثمر مجتهد بحث عن مجال مناسب يفيده.. ولهذا لايهمه ان يكسب ثقة المستهلك او يحتفظ به او بالعامل الماهر لكي يتميز به في سوق العمل.. كل ما يهمه ان يحقق مكاسب سريعة مرضية.. هكذا فقدنا الثقة في كل مجالات حياتنا بسبب تلك الفوضي والسبب يرجع الي فشل منظومة التعليم في مصر.. فالعلم ليس عدد سنوات دراسة تمر ولا يحتفظ منها الدارس بأي شيء يفيده غير شهادة تؤكد التزامه بتجاوز الامتحانات بنجاح.. هل يعقل ان تقبل الجامعات آلاف الطلاب ليدرسوا مواد الحقوق والتجارة والآداب ليخرج لنا آلاف المحامين والمحاسبين لايحتاج اليهم سوق العمل.. يجب علينا علي الاقل ان نحدد احتياجات سوق العمل قبل ان نخدع الشباب ونغرقهم في احلام وهمية. لمزيد من مقالات علاء سالم