إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين والمتحالفين معها فشلوا في تحويل مصر إلي سوريا أخري, فإن خططهم الآن تشير إلي السعي لجعلها عراقا جديدا. تفجيرات ومحاولات اغتيال هنا, والبحث عن فتن واحتجاجات هناك. وجاء حادث المنصورة ليؤكد أن هذا الاتجاه أصبح منهجا في وجدان أصحابه. كل ألفاظ وعبارات الإدانة لن تكفي مع هذا الحادث البشع, لذلك من الضروري أن نبدأ بسد الثغرات الخطيرة التي نفذ منها المجرمون, سواء كانت من خلال عملاء مازالوا يمرحون في بعض أروقة وزارة الداخلية, أو عبر هفوات علي الممرات سهلت لهم الوصول لمديرية أمن الدقهلية. المهم أن التخلص من هذه المشكلات العاجلة سيمنح أجهزة الأمن فرصة كبيرة لمزيد من التفوق علي الإرهاربيين, وعدم تكرار هذا النوع من الأحداث, وقطع المحاولات الرامية للإيحاء أن مصر علي درب العراق, الحافل بتفجيرات ليلا ونهارا, تقوم بها جهات, جندت عملاء لها في مؤسسات رسمية مختلفة, واستغلت جيدا الأسلحة المتوافرة في أيديها, ونجحت في إزعاج الحكومة الراهنة, وأدخلتها نفقا جعلها علي وشك الانهيار. كاد شبح السيناريو السوري يخيم علينا, عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة وما تلاهما من عمليات مجرمة ضد كنائس ومقار شرطية وهيئات حكومية وأشخاص عزل, وعندما فشل الإخوان في كسر شوكة الشرطة, وإرهاب الناس وتوسيع مساحة الأزمات, قاموا بتوجيه جناحهم العسكري للعبث في سيناء, وبعد أن تمكن الجيش الوطني من إنهاء جزء كبير من قوة الإرهابيين, لجأوا إلي عمليات تفجير نوعية, في بعض مناطق سيناء الوعرة, في إشارة إلي أنهم يملكون نفسا للحياة, وقدرة علي الصبر الطويل والاستمرار في الحرب المسلحة. لكن خاب ظنهم, حيث أفضت زيادة جرعات التمشيط إلي دحر أسطورة الجهاديين, وأصبحت فلول الإرهابيين عاجزة عن الحركة بحرية في فضاء سيناء. الأمر الذي دفعهم إلي تسخين جبهات في محافظات أخري, في القاهرة والإسماعيلية والدلتا, لتأكيد أن العمليات الأمنية المتتالية لم تنجح في اسئصال قوتهم التدميرية. ولأن مشاهد التفجيرات المتفرقة في العراق أحدثت أثرا سياسيا وأمنيا واقتصاديا ونفسيا أيضا, بدأ هذا الاتجاه يزداد نشاطا وتركيزا عندنا, مستغلا العناصر التي تسربت من سيناء عقب مرحلة قاسية من الكر والفر مع الأجهزة الأمنية. فقد وضعت جماعة الإخوان وأذرعها ممارسة الضغوط هدفا نصب عينيها, أملا في إرهاق الحكومة, وإظهار أن الأجهزة الأمنية عاجزة عن المواجهة, جريا وراء بث روح الهزيمة في نفوس الضباط والجنود ودفعهم للتمرد. ومن ثم انعدام الأمن وفتح المجال أمام الارتباك والتخبط والانفلات والفوضي. وهو ما يفسر أحد أهم أسباب استهداف مقار وشخصيات شرطية وعسكرية في أماكن متعددة. كما أن السير في هذا الطريق, سيمنح الإخوان فرصة لإشاعة الرعب في قلوب الناس, وأن المرحلة المقبلة ستشهد اتساعا في العمليات الانتقامية, بما يعني التأثير سلبا علي الاستفتاء علي مشروع الدستور واستكمال مشوار خريطة الطريق. باختصار إيهام الناس أن سبل الحياة لن تتحسن, والأزمات سوف تتكاثر. وبالتالي من الواجب البحث عن ولاءات اجتماعية وانحيازات سياسية علي الطريقة العراقية. من جهة أخري, مطلوب توصيل رسالة للخارج أن الأوضاع في مصر ليست علي ما يرام, وأن الإنجازات السياسية التي تحققت, إقليميا ودوليا, علي مستوي إعادة الاعتبار لثورة الثلاثين من يونيو زائفة, وأن التوتر مستمر, والحكومة بأدواتها لا تملك تقرير المصير السياسي للبلاد. وكان اللجوء لأسلوب التفجير مقصودا ومدروسا, شكلا ومضمونا, لسرعة الربط بين العراق ومصر. حيث حسبت دوائر كثيرة تعاملت مع حكومة نوري المالكي أنه قادر علي الإمساك بمفاتيح الحل والعقد, ثم اكتشفت اهتزاز موقفه وعدم قدرته علي السيطرة الأمنية, فشاع في بعض الأوساط نمط من الإحباط قلل من الثقة في الحكومة العراقية, بل بدا المالكي نفسه في نظر جهات مختلفة أن مهاراته لا تتناسب مع طبيعة التطورات, وعاجزا عن التعامل مع القوي السياسية وأجنحتها المتمددة إقليميا. وفي ظل ارتفاع حصيلة الهجوم عليه, صار المالكي ورفاقه في وضع شبه مجمد سياسيا, في انتظار لحظة مناسبة ليفارقوا مقاعدهم في السلطة. الأمر الذي يعمل الإخوان علي تكراره مع حكومة الببلاوي. مع أن المقارنة مقلقة نظريا, إلا أنها تحمل مؤشرات لنسفها عمليا, لاختلاف البيئة والظروف واللاعبين, لكن لأن عقل الجماعة محدود من الناحية السياسية ومنغلق من الناحية الفكرية, دفعها للتفكير في استخدام آليات عسي أن تتماثل مع الحالة العراقية,لأغراض لحظية, تتعلق بتوجهاتها المتنوعة لتغيير التكتيكات. فكل مرحلة لها حيلها, وكلما جري التخلص من خرافة سياسية أو أمنية أو حتي دينية, أجهدت ذهنها في إيجاد أخري, في محاولة للبقاء في واجهة المسرح السياسي, إما أن تنجح في إحداث إرهاق واستنزاف مادي للدولة يضعها في صورة سلبية فتزداد النقمة علي حكومة الببلاوي, أو تكسب بعضا من عناصر القوة من خلال تجميع الأوراق, فقد تتمكن من التوصل إلي صفقة سياسية تنقذها من ورطتها. وفي الحالتين تكمن عناصر الفشل, لأن رهانها لا تتوافر له قواعد منطقية. فالدولة تغير من سياساتها سريعا وتتخذ إجراءات حاسمة لقطع دابر الإخوان, والجماعة الخشبية تزداد بغضا في الشارع, كلما حدثت عملية إرهابية جديدة. لمزيد من مقالات محمد ابوالفضل