مع نهاية كل عام تعكف موسكو علي دراسة واستبيان ما خفي من جوانب علاقاتها مع الكثيرين من شركائها في الجوارين القريب والبعيد, استعدادا لجولات جديدة تؤكد من خلالها صواب ما اتخذته من قرارات, وتصحح ما شابها من إخفاقات في إطار ما يسمي بالدوائر التقليدية لعلاقات روسيا الخارجية, ومنها ما يتعلق بمصر علي ضوء ما خلص إليه الجانبان من توافق في الرؤي في إطار آلية'2+2' والشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وفي خطابه السنوي, حدد الرئيس فلاديمير بوتين المهام الرئيسية للدولة الروسية في الفترة القريبة المقبلة. وإذا كان بوتين أسهب كثيرا في الحديث عن قضايا بلاده الداخلية, فإنه ربط الكثير من جوانب هذه القضايا بتداعياتها وتأثيراتها الخارجية في الفترة القريبة المقبلة وانطلاقا من أن السياسة الخارجية للدولة امتداد طبيعي لسياساتها الداخلية. ولعل ما قاله بوتين حول ضرورة دعم قدرات روسيا العسكرية والارتقاء بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطن الروسي, يرتبط ضمنا بما سبق وقاله في فبراير2007 حول تعزيز قدرات بلاده العسكرية من منطلق رفضه لهيمنة دولة بعينها وانفرادها بالقرار الدولي خارج إطار الشرعية الدولية. وكشف بوتين صراحة عن أن بلاده تملك ما ترد به علي أية تحديات عسكرية, فيما أكد ضرورة ألا يستسلم احد لحلم تحقيق التفوق العسكري علي روسيا. و قال إن روسيا لن تسمح بذلك, وإنها سترد سياسيا وتكنولوجيا علي تلك التحديات, متكئة علي ما لديها من قدرات. وفي إطار رسم ملامح سياساته خلال الفترة القريبة المقبلة, كشف الزعيم الروسي عما يساوره من قلق تجاه سياسات خصمه التقليدي فيما وراء البحار, ومنها ما يتعلق' بتصميم أنظمة جديدة من الأسلحة, بما فيها عبوات ناسفة نووية محدودة القدرة, وصواريخ إستراتيجية غير مزودة برءوس نووية, ومنظومات ذكية غير نووية فوق صوتية مخصصة لتوجيه ضربات خاطفة لأهداف تبعد آلاف الكيلومترات'. وحذر بوتين من مغبة من أن يؤثر تنفيذ كل هذه المخططات سلبيا علي الاستقرارين الإقليمي والعالمي. ومن المقرر أن يصل تمويل روسيا لإعادة تسليح الجيش وتحديث الصناعات الحربية إلي ما يقرب720 مليار دولار, وهو ما لم تشهده من قبل. وعن علاقات روسيا مع مصر, فمن المتوقع أن يبدأ الجانبان تنفيذ ما توصلا إليه من اتفاقات خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان للقاهرة وخاصة ما يتعلق باستئناف اجتماعات اللجنة الحكومية المشتركة, والتعاون العسكري إلي جانب مشروعات إحلال وتجديد الكثير من المنشآت التي سبق أن شيدتها مصر بمساهمة مباشرة من جانب الاتحاد السوفيتي السابق. وفي هذا الاطار يتوقع المراقبون ان يقوم الرئيس بوتين بزيارته التي طال انتظارها لمصر بعد الإنتهاء من اقرارها لمؤسساتها الدستورية حسب خريطة المستقبل التي أعلنتها عقب ثورة30 يونيو من العام الجاري. وحسب تصريحات العديد من كبار المسئولين في موسكو. ولم يخف بوتين أولويات بلاده في بلدان الفضاء السوفييتي السابق في إطار سياسات موسكو التقليدية وحرصها علي دعم علاقاتها مع أهم هذه البلدان في إطار' ثلاثي' الاتحاد الجمركي الذي يضم إلي جانب روسيا كلا من كازاخستان وروسيا البيضاء, فضلا عن مجموعة بلدان الفضاء الاقتصادي الأور-آسيوي الذي يضم مع هذه البلدان الثلاث, جمهوريات آسيا الوسطي وأرمينيا. وكانت الأزمة الأوكرانية الأخيرة قد كشفت عن محاولات الدوائر الغربية الرامية إلي استمالة اوكرانيا إلي الاتحاد الأوروبي خصما من رصيد علاقاتها مع روسيا وبلدان الفضاء الاورواسيوي. علي أن ذلك وحسب استراتيجية السياسة الخارجية الروسية, لن يحول دون رغبة روسيا في تعزيز علاقاتها مع بلدان الاتحاد الأوروبيلمواجهة التحديات والتهديدات الخارجية, فضلا عن دعوتها إلي' تحقيق الوحدة في المنطقة من دون خطوط فاصلة, عبر شراكة حقيقية للتعاون بين روسيا والاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة'. ولعل ما صدر من تصريحات رسمية في هذا الشأن يقول إن موسكو تعتزم مواصلة العمل في إطار ما يسمي ب'الفضاءات الاربعة' وهي: الفضاء الاقتصادي, وفضاء الحرية والأمن والعدالة, وفضاء الأمن الخارجي, وفضاء الأبحاث العلمية والتعليم والثقافة, الي جانب تطوير التعاون في مجال الطاقة بهدف خلق مجمع طاقة موحد ومتكامل لأوروبا علي أساس الامتثال الصارم للالتزامات القائمة بموجب الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف. وبالرغم من التوتر الذي يسود بعض علاقات روسيا مع الولاياتالمتحدة, وحلف شمال الأطلنطي' الناتو' في الفترة الاخيرة, فإنه من المتوقعان تستأنف روسيا, ومن منطلق براجماتي, محاولات تطوير علاقاتهافي إطار' شراكة تقوم علي مبادئ التكافؤ والاحترام الكامل لمبادئ وقواعد القانون الدولي ولاتخاذ خطوات حقيقية للتحرك نحو فضاء مشترك للسلام والأمن والاستقرار في المنطقة الأوروأطلسية بناء علي مبادئ الثقة المتبادلة والشفافية وإمكان التنبوء وتنفيذ جميع أعضائه للالتزامات التي تقع علي عاتقهم في إطار مجلس روسيا الناتو.