بعد نجاحه خلال رئاسته لروسيا (2000- 2008) فى إنقاذ اقتصادها وإعادتها كقوة كبرى على الساحة الدولية، هل من الممكن أن يكون الهدف القادم لفلاديمير بوتين بعد عودته المتوقعة للكرملين عام 2012 هو إعادة إحياء الاتحاد السوفييتى ليشكل مرة أخرى قوة منافسة للولايات المتحدةالأمريكية والغرب .. سؤال يطرح نفسه بقوة منذ اقتراح بوتين إنشاء ما أطلق عليه «الاتحاد الأوروآسيوى» فى وقت تتعرض فيه أمريكا وأوروبا لأزمة اقتصادية مقلقة. رئيس الوزراء الروسى الذى يعتبر انهيار الاتحاد السوفييتى أكبر كارثة جيوسياسية فى القرن العشرين وكثيرا ما انتقد سيطرة قطب واحد (الولاياتالمتحدةالأمريكية) على مجريات السياسة الدولية قال فى مقال نشرته صحيفة «إزفيستيا» الروسية اليومية إنه يرى ضرورة توسيع نطاق عضوية الاتحاد الجمركى- الاقتصادى القائم بين روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان ليضم المزيد من الجمهوريات السوفييتية السابقة تمهيدا لتشكيل «الاتحاد الأوروآسيوى» على غرار الاتحاد الأوروبى، معتبرا أنه سيصبح لاعبا أساسيا على المسرح الدولى حيث أكد أن الاتحاد الجديد يجب أن يصبح «أحد أقطاب العالم الحديث بوصفه حلقة وصل فاعلة بين أوروبا ومنطقة آسيا- المحيط الهادى»، إلا أنه نفى أن يكون اقتراحه هذا محاولة لإحياء الإمبراطورية الشيوعية البائدة قائلا: «نحن لا نتكلم عن إعادة بناء الاتحاد السوفييتى بصورة أو بأخرى. فمن السذاجة محاولة استعادة أو نسخ شىء ينتمى إلى الماضى»، مشددا على أن الاتحاد الجديد سيستند إلى مبادئ سياسية واقتصادية مختلفة تماما. ومع ذلك رأى الكثير من المحللين أن بوتين يهدف إلى إحياء الاتحاد السوفييتى، معتبرين أنه سوف يحتل مكانة متميزة تاريخيا بين مواطنيه إذا نجح فى تحقيق ذلك إذ أن استطلاعات الرأى تظهر ازدياد نسبة الروس الذين يتمنون عودة الاتحاد السابق. ومن ناحية أخرى شكك بعض المعلقين فى إمكانية إنجاز هذا الاتحاد قريبا، مستندين إلى فشل محاولات روسية سابقا بسبب الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين موسكو والجمهوريات السوفييتية السابقة الأمر الذى يحتم الهيمنة الروسية وهو ما لن يقبله أعضاء الاتحاد المحتملين، بالإضافة إلى تطلع العديد من هذه الجمهوريات إلى الغرب وليس إلى موسكو التى مازالت هناك شكوك فى نواياها، فى حين رأى محللون آخرون أن الفكرة التى طرحها بوتين يمكن أن تلقى تأييد جمهوريات آسيا الوسطى لأن عضوية الاتحاد الأوروآسيوى سيتيح لها الاستعانة بالقوات الروسية لدرء الأخطار التى تهدد الاستقرار الداخلى. كما اعتبر بعض المحللين أن اقتراح بوتين يمكن أن تقبله الدول التى تحتاج للمساعدة لتجاوز الأزمة المالية العالمية. وفى هذا الصدد، توقع تقرير لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أن يخسر الغرب المعركة للفوز بالجمهوريات السوفييتية السابقة لصالح الاتحاد الأوروآسيوى المقترح وذلك فى ظل أزمة منطقة اليورو التى ستقلق الاتحاد الأوروبى من ضم المزيد من الدول التى تعانى من أزمات اقتصادية. علاوة على ذلك، تقول الصحيفة إنه بالرغم من أن الانضمام للاتحاد المقترح سوف يستلزم شيئا من التبعية لموسكو، إلا أنه يقدم للنظم الدكتاتورية التى تحكم الكثير من الجمهوريات السوفييتية السابقة فرصة الانضمام لتكتل اقتصادى أكبر دون الخضوع لمحاضرات لا متناهية عن الديمقراطية. وحتى أوكرانيا التى تتسم علاقاتها مع روسيا بالتوتر فإن المزايا التى تستطيع موسكو تقديمها لها مثل الحصول على الغاز الطبيعى بأسعار منخفضة ستشكل عوامل جذب لها. ويأتى اقتراح بوتين فى الوقت الذى يعتبر فيه اقتصاد بلاده قويًا بدرجة كافية لمواجهة أى أزمة مالية مفاجئة، فخلال المنتدى الاستثمارى «روسيا تنادى» بموسكو أكد بوتين أن وضع موسكو أكثر قدرة على التعامل مع أى تداعيات اقتصادية مما كانت عليه إبان الأزمة المالية العالمية عام 2008.