في مفاجأة من العيار الثقيل اعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن قراره حول الافراج عن ميخائيل خودوركوفسكي, الملياردير اليهودي صاحب امبراطورية يوكوس النفطية وأحد ابرز خصومه السياسيين, بعد قضائه لما يزيد علي السنوات العشر في السجون الروسية. وفيما يعزو الكثيرون من الساسة والمراقبين في العواصمالغربية هذا القرار إلي ما يقال حول محاولات موسكو تحسين صورتها في الخارج, ومخاوفها من مقاطعة اوليمبياد الألعاب الشتوية, أكدت مصادر الكرملين ان العفو جري بموجب قرار مجلس الدوما حول العفو العام, وكشفت عن خطاب شخصي توجه به خودوركوفسكي الي بوتين. فجأة.. توقف بوتين وكان في طريقه الي خارج القاعة بعد انتهاء مؤتمره الصحفي السنوي الذي استغرق ما يزيد علي الساعات الأربع. التفت الي مصدر السؤال الذي دوي عاليا يسأل عن مصير خودوركوفسكي, وما اذا كان بوتين يمكن ان يصدر عفوا عنه في القريب العاجل. بأريحية لم تخل من مغزي اطلق الرئيس الروسي قنبلته الإعلامية التي لا تزال اصداؤها تتردد في الكثير من اروقة السياسة المحلية والعالمية. قال بوتين ان خودوركوفسكي وبموجب القرار الصادر حول العفو عن عدد من المسجونين كتب اليه منذ مدة وجيزة رسالة قصيرة يطلب فيها الصفح عنه. واضاف انه قضي بين جنبات السجون ما يزيد علي عشر سنوات, وتلك عقوبة جدية. واضاف الرئيس الروسي ان خودوركوفسكي عزا طلبه الي اسباب انسانية قال ان والدته مريضة. واردف قائلا: انه وايماء الي كل هذه الظروف يمكن اتخاذ القرار المناسب, وانه سوف يوقع المرسوم الخاص بالعفو عنه في القريب العاجل, وهو ما فعله بوتين في اليوم التالي للاعلان عن ذلك, أي في يوم الجمعة20 ديسمبر.2013 وبايجاز نشير الي ان ميخائيل خودوركوفسكي هو الملياردير اليهودي الذي بلغ من الثراء خلال سنوات معدودات حد صعوده الي قمة أثري أثرياء العالم بموجب قائمة مجلة فوربس العالمية, مستفيدا من قرارات الخصخصة سيئة الصيت, والمثيرة للجدل, التي آلت بموجبها في تسعينيات القرن الماضي ثروات روسيا من نفط وغاز ومعادن إلي حفنة من المغامرين, اليهود في معظمهم,, وكان القضاء الروسي اصدر احكامه بالسجن لأربعة عشرة عاما علي خودوركوفسكي وعدد من رفاقه من قيادات امبراطورية يوكوس النفطية, بتهمة الاحتيال, والتهرب الضريبي, وغسيل الأموال, فضلا عن التورط في تدبير اغتيال عدد من خصومه السياسيين والاقتصاديين. وبغض النظر عن الكثير من تفاصيل هذه القضايا والوقائع, فقد تحول خودوركوفسكي الي معتقل سياسي, حاولت الدوائر الغربية استغلاله في اطار تصفية حسابات سياسية واقتصادية مع الرئيس بوتين علي مدي سنوات طوال. ويذكر المراقبون ان الجدل احتدم حول حقيقة ومضمون طلب العفو الذي تقدم به خودوركوفسكي في اطار قرار مجلس الدوما بالعفو الرئاسي عن ما يقرب من25 ألفا من المسجونين والمعتقلين في سجون روسيا, ومنهم الذين سبق اتهامهم في قضيتي بوسي رايت, ونشطاء جرينبيس. وبهذا الصدد قال دميتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الكرملين ان طلب العفو من جانب خودوركوفسكي, يعني ضمنا الاعتراف بالذنب, وهو ما نفته مصادر كثيرة منها خودوركوفسكي نفسه الذي قال في مؤتمر صحفي عقده في برلين عقب وصوله اليها مساء الجمعة الماضي, انه لم يكن ليفعل ذلك حرصا علي زملائه ممن لا يزالون حبيسي السجون الروسية. وكشف بيسكوف عن ان خودوركوفسكي توجه الي بوتين بخطابين, الأول رسمي ويطلب فيه العفو والافراج عنه لأسباب تتعلق بالحالة الصحية لوالدته, والثاني شخصي حافل بتفاصيل كثيرة, ويتحدث فيه عن أمور لم يمط اللثام عن مضمونها. وفيما عزا المراقبون اسباب صدور مثل ذلك العفو الرئاسي الي جهود كثيرين من الساسة الألمان ومنهم المستشارة انجيلينا ميركل, والمستشار السابق جيرهارد شرويدر, ووزير الخارجية الأسبق هانز ديتريخ جينشر, قال آخرون ان الدافع الحقيقي يتلخص في مخاوف بوتين من احتمالات مقاطعة اوليمبياد الألعاب الشتوية في سوتشي الروسية في فبراير المقبل, ورغبته في توفير الأجواء اللازمة لتحسين الاستثمار وتدفق رؤوس الأموال الأجنبية. اما عن ملابسات صدور مثل هذا العفو, اشارت صحيفة كوميرسانت الروسية الي ان ممثلي المخابرات الروسية زاروا خودوركوفسكي في محبسه واوحوا اليه باحتمالات رفع الدعوي ضده في قضايا جديدة, قد يصدر فيها الحكم بسجنه لمدد اضافية, فضلا عما ابلغوه به بشأن تدهور الأحوال الصحية لوالدته, وهو ما دفع خودوركوفسكي الي التوجه بطلب العفو. ولعل النحو الذي جرت عليه عملية الافراج عن خودوركوفسكي, يقول إن الأمر لا يتعلق بخروج سجين من معتقله مهما بلغ حجم ووزن ذلك السجين. فقد سبقت عملية الافراج مداولات ومباحثات استمرت لبضعة اشهر شارك فيها, وكما ذكرنا الكثير من مشاهير الساسة ورجال الأعمال. ولذا فقد كان من الطبيعي ان يكون الاخراج علي نفس مستوي وأهمية المسرحة السياسية لهذه القضية الجنائية في معظم جوانبها, والتي كان من المفروض ان تشمل مليارديرات آخرين في الساحة الروسية نجحوا في الافلات من المصير المأساوي لاشهرهم خلال السنوات الماضية.