صدر في23 أكتوبر الماضي قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم105 لسنة2013 بفتح اعتماد إضافي بالموازنة العامة للدولة للسنة المالية2014/2013 ينص علي قيام البنك المركزي المصري بشراء رصيد حساب المبالغ الواردة من بعض الدول العربية البالغ حوالي788 مليار دولار وإضافة المعادل بالجنيه لحساب وزارة المالية لاستخدامه علي النحو المبين بالقانون, وبلغة القانونيين فإن هذا القانون يعتريه العوار لأخطاء في الشكل والموضوع. فمن حيث الشكل لا يصح أن ينص قانون يتعلق بالأموال علي المبالغ مسبوقة بكلمة حوالي كما ورد بالمادة الأولي من القانون أو ينص علي أسماء الحسابات بطريقة خاطئة حيث ذكر الحساب الواجب إضافة باقي المعادل إليه باسم الحسابات المؤقتة ذات الأرصدة وصحته الحسابات المتنوعة ذات الأرصدة ولا يصح أيضا أن ينص علي أن تعدل الجداول المرافقة لقانون آخر هو قانون ربط الموازنة العامة للدولة طبقا للنتائج المترتبة علي فتح الاعتماد الإضافي.. فتعديل القانون يتم بنص قانون آخر وليس بالنتائج المترتبة عليه وكلها أمور بحاجة إلي أن تضبط فإذا كانت وظيفة القانون ضبط الأمور فلا أقل من أن يكون هو ذاته منضبطا, أما من حيث الموضوع فإن ما ينص عليه القانون في مادته الأولي من أن ذلك الإجراء سوف يساهم في خفض عجز الموازنة العامة للدولة هو غير صحيح لأن باقي المعادل بالجنيه المصري البالغ30 مليار جنيه تقريبا سوف يضاف إلي بند الحسابات المتنوعة ذات الأرصدة لوزارة المالية بالبنك المركزي المصري وهذه الحسابات ليست ضمن حسابات الموازنة العامة للدولة وبالتالي لن يؤثر علي الموازنة فسوف تخفض تلك الإضافة الرصيد المدين لحساب الخزانة الموحد طرف البنك المركزي المصري ولكنها لن تخفض عجز الموازنة العامة لوجود فارق بين حسابات الموازنة العامة والحسابات المتنوعة ذات الأرصدة فالأولي تشمل الاستخدامات والموارد كالأجور والاستثمارات والضرائب وغيرها من بنود الإنفاق أو الإيراد ومحصلتها عجز أو فائض الموازنة بينما تشمل الثانية( الحسابات المتنوعة ذات الأرصدة) المبالغ المستخدمة للتعامل مع ذلك العجز أو الفائض بعد حدوثه ومبالغ أخري لا تعتبر إيرادا أو مصروفا إلا باستيفاء شروط معينة كالمبالغ الناتجة من إعادة تقييم الذهب. وعلي عكس الاعتقاد الشائع لدي البعض من أن بيع وزارة المالية لرصيد حساب المبالغ الواردة من بعض الدول العربية بالدولار سوف يؤدي إلي تخفيض الدين العام المحلي فإن عملية البيع في ذاتها لن تؤثر علي حجم الدين العام لأن مجرد تغيير عملة الودائع من الدولار إلي الجنيه لن يغير من قيمتها التي تخصم من إجمالي الدين العام ولكن استخدام جزء من المعادل بالجنيه سوف يؤدي إلي ارتفاع الدين العام وليس تخفيضه فالمبالغ الواردة من بعض الدول العربية بالدولار تمثل جزءا من ودائع الحكومة العامة والهيئات الاقتصادية التي تطرح من إجمالي الدين العام للوصول إلي صافي رصيد الدين العام المحلي وحيث أن الجزء البالغ مقداره حوالي30 مليار جنيه سيستخدم لتنفيذ حزمة من البرامج الاستثمارية والاجتماعية فإن قيمة ودائع الحكومة العامة والهيئات الاقتصادية ستنخفض مما يعني بالتبعية زيادة حجم الدين بذات المبلغ. وحتي يكتمل تقييم هذا القانون فلا بد من معرفة دلالاته ونتائجه الاقتصادية فالمبالغ التي وردت من بعض الدول العربية بالدولار الأمريكي خلال فترة التسعينيات كنتيجة مباشرة لموقف مصر من حرب تحرير الكويت لم تدرج ضمن إيرادات الموازنة العامة للدولة في أي من الأعوام التي وردت فيها تلك المبالغ وأودعت يحساب خاص بالبنك المركزي لا يجوز التصرف فيه إلا بتعليمات رئيس الجمهورية الأسبق أي أنها عوملت كالقرش الأبيض المدخر لليوم الأسود وبالرغم من كثرة الأيام السوداء خلال الأعوام الثلاثة الماضية فلم يمس خلالها القرش الأبيض حتي صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم105 لسنة2013 وهو ما قد يترك الانطباع لدي المستثمرين وجهات التمويل ومؤسسات التقييم الدولية بأن الدولة أصبحت تنفق من الاحتياطي الأخير لديها والذي تراكم علي مدي سنوات, وإذا كانت أرصدة حساب المبالغ الواردة من بعض الدول العربية تعد احتياطيات مخبوءة فإن استخدام جزء من تلك الاحتياطيات في الإنفاق الجاري يمثل إهلاكا لها في غير الغرض المحتجزة من أجله وإذا كانت تعد أصولا مالية فإن القواعد الاقتصادية السليمة تقضي بأن تحول الأصول إلي أصول ذات شكل آخر وليس إلي إنفاق لا يضيف إلي الطاقة الإنتاجية للدولة ولا يحل أي من مشكلاتها الاقتصادية, فقد كان الأولي أن تخصص تلك الأموال لأحد المشروعات الكبري التي تخدم كافة أطياف وفئات المجتمع وهي بطبيعتها مشروعات تحتاج لتمويل ضخم كمشروع المحطة النووية لتوليد الكهرباء بالضبعة أو إنشاء بنية تحتية لإعمار سيناء بدلا من أن يقف شح التمويل المتاح عقبة في سبيل مثل تلك المشروعات أو أن تلجأ الدولة للاقتراض لاتمامها بعد أن أنفقت الأموال المتاحة لترضية فئات عالية الصوت تعرف كيف توقف العمل وتثير الاضطراب. لمزيد من مقالات جمال وجدى