تبوأت اللغة العربية لدي الإيرانيين مكانة مرموقة فاقت اللغات الأخري باعتبارها لغة دينهم وكتابهم المقدس القرآن الكريم. فما أن اعتنقوا الدين الاسلامي حتي أصبحت هذه اللغة, لغة العلم والكتابة. فترجموا أغلب كتب تراثهم المكتوب علمية وأدبية من لغتهم البهلوية إليها, فعلي سبيل المثال لا الحصر قام ابن المقفع في القرن الثاني الهجري بترجمة كليلة ودمنة من البهلوية إلي العربية وماثله أبو المعالي بترجمة نفس الكتاب من العربية الي الفارسية وكان ذلك في القرن السادس الهجري. تعود الترجمة من العربية الي الفارسية إلي القرن الرابع الهجري, فقد ترجم أبو علي محمدبن محمد البلعمي تاريخ الطبري واستمرت هذه العملية خلال القرون التالية, حيث ترجمت الكثير من الكتب التاريخية. أما الذي نصبو اليه ويخصنا في هذا المجال هو ترجمة الأدب العربي نظما ونثرا وعلي وجه التحديد الأدب العربي المعاصر. شرع الايرانييون منذ أوائل الستينيات من القرن المنصرم بترجمة الآثار الأدبية المعاصرة, حيث قام بعض أساتذة وخريجي اللغة العربية وآدابها بهذه المهمة. والذي يلفت النظر أن هذه الترجمات حصلت في العهد البهلوي الثاني الذي اتسم بالشوفينية وعدائه الظالم للعرب علي أساس برمجة صهيونية مخطط لها. ومن المؤسف أن طائفة من المثقفين والمحققين والأدباء, تطوعوا لهذه النزعة القومية المتعجرفة وأخرجوا كتبا عديدة خدمت هذا المخطط الصهيوني. وعلي الرغم من دعم السلطة لهذه النزعة, فقد ظهرت طائفة من الأدباء والمثقفين الملتزمين ومن خلال اهتمامهم بالقضية العربية الكبري, قضية فلسطين, قامت بترجمة الأعمال العربية المعاصرة, فظهرت في الأسواق والمكتبات بعض أعمال نزارقباني, غسان كنفاني, عبدالوهاب البياتي, محمود درويش, توفيق زياد, سميح القاسم, نجيب محفوظ.. الخ. وكان في طليعتهم الشاعر الايراني الكبير, أستاذ اللغة الفارسية في جامعة طهران الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني الذي ترجم للشعراء المعاصرين العرب وعلي وجه التحديد, ترجم لعبدالوهاب البياتي ونزار قباني كما ألف كتابا تحت عنوان' الشعر العربي المعاصر'. وواكب هذه الحركة أساتذة آخرون, فيهم الدكتور غلام حسين يوسفي والدكتور عبدالمحمد آيتي والدكتور محمد حسين روحاني, ولقيت هذه الترجمات إعجاب المثقفين واقبالهم الشديد عليها. فغدت هذه الأعمال تمثل الأدب التقدمي و الحديث العرب. ولايزال الكثير من المثقفين الايرانيين يرددون قصيدة' سجل أنا عربي' للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش. وأصبحت بعض أبيات قصيدة أبي القاسم الشابي شعارا للمظاهرات الجماهيرية: اذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ومما يدعو الي الدهشة ان هذه الأبيات كانت تنشر بالعربية وكانت تترجم نظما الي الفارسية. ثم ظهر جيل جديد استلم بيرق الترجمة وفيهم موسي بيدج ومحمد جواهر لام ويوسف عزيزي, حيث قاموا بترجمة الكثير من القصائد العربية التي كانت تفوح بالعطر الإنساني. ثم توقفت هذه الحركة في العقد الثامن نتيجة الاحداث التي اعقبت الثورة الاسلامية كإغلاق الجامعات الايرانية لمدة طويلة.. ومنذ بداية القرن الحالي نبض قلب الترجمة من جديد وراحت طائفة من المثقفين الشباب والرواد يترجمون أهم الأعمال العربية المعاصرة, وتبوأ نزار قباني, محمود درويش, عبدالوهاب البياتي, أدونيس, وأحمد عبد المعطي حجازي, محمد الماغوط, بلند الحيدري, سعدي يوسف مكانة مرموقة في الساحة الفكرية لدي الكثير من المثقفين والجامعيين. وشغلت رفوف المكتبات العامة آثار و أعمال محمد الفيتوري, توفيق زياد, سميح القاسم, سعاد الصباح, غادة السمان, نجيب محفوظ, الطيب صالح, بدر شاكر السياب, عباس محمود العقاد, توفيق الحكيم, حنا مينا, طه حسين وجبران خليل جبران. كما خرجت إلي عالم الوجود رسائل وأطروحات جامعية تعالج الأدب العربي والأدباء العرب المعاصرين وتجاوزت هذه الرسائل المئات. كما ظهر فرع جديد في الفروع الجامعية يهتم بترجمة الأدب العربي تحت عنوان' فرع الأدب وترجمة الأدب العربي' وتخرج الكثير من الطلاب الجامعيين في هذا الفرع الدراسي. ثم ظهرت ترجمات جيدة لأعمال فكرية عربية تجاوزت الحدود العربية لمفكرين وفلاسفة عرب ومنهم علي سبل المثال لا الحصر, محمد عابد الجابري, حسن حنفي, محمد أركون, برهان غليون, نصر حامد أبوزيد وعلي حرب. فكانت لهذه الأعمال الفكرية آثار كبيرة في بناء العقلية والفكر الفارسي الجديد. ولعل هذا يذكرنا بتأثير الفكر الاسلامي في بداية تاريخه علي العقل والفكر الفارسي حيث تخرج الكثير من الفلاسفة والمفكرين في ذلك العصر من المدرسة الاسلامية السمحاء, فان دل هذا علي شيء فانما يدل علي التعامل والتزاوج الثقافي الذي سيكون نتيجة مخاضه بلاشك, ولادة جديدة لفكر جديد وانسان جديد لعالم جديد من أجل أخذ يد البشرية نحو السعادة والكمال الانساني والسؤدد. لمزيد من مقالات عبد النبى قيم