لقد عني الإسلام أعظم العناية بالتعلم, وحث أمته علي طلب العلم, والبحث والتفكير في كل ميدان من ميادين المعرفة, وكل مجال من مجالات الحياة, وجعل سبحانه العلم أعلي شرف, وأول منة امتن بها علي ابن ادم بعد خلقه وإبرازه من ظلمة العدم إلي ضياء الوجود, فقال سبحانه في أول سورة أنزلها علي نبيه محمد صلي الله عليه وآله وسلم: اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم. وفي السنة النبوية المطهرة وردت أحاديث عدة في فضل العلم, أن الرسول, صلي الله عليه وسلم, قال: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلي الجنة. وإذا كان طلب العلم طاعة وعبادة, فانه ينبغي لطالب العلم التخلق بالأدب وحسن الخلق مع ربه وأستاذته, وأشار القرآن الكريم إلي هذا الخلق في قصة موسي عليه السلام مع الخضر, في قول موسي عليه السلام للخضر:( هل أتبعك علي أن تعلمن مما علمت رشدا). وفي ظل دعوات بعض الطلاب إلي تعطيل الدراسة والإضراب عن الامتحانات بالجامعات, ومنع الأساتذة والطلاب من دخول الكليات, أكد العلماء أن الهدف الأساسي من قيام الجامعات هو تخريج العلماء والباحثين القادرين علي مواجهة كافة المشكلات التي تواجه مجتمعاتهم. وشددوا علي أهمية تطبيق اللوائح والأطر المنظمة للعمل الجامعي بكل حسم وفتح قنوات للحوار بين الأساتذة والطلاب حتي يتمكنوا من استيعاب الأفكار الصحيحة ويكونوا نواة لعلماء قادرين علي خدمة المجتمع. ويقول الشيخ عبد الحميد الأطرش, رئيس لجنة الفتوي بالأزهر سابقا, إن طالب العلم ينبغي أن تتوافر فيه شروط التواضع والأدب والأخلاق وكرم النفس, والاعتكاف علي كتبه ومحاضراته, ولا يشغل نفسه أثناء وجوده بحرم الجامعة بما يدور في الدولة من أمور سياسية قد لا يفهمها آباؤهم أنفسهم, فهؤلاء الطلبة وهم الذين لا يتحملون من أعباء الحياة شيئا, لا يقدرون ما يتكبده آباؤهم من أعباء ونفقات وقلق واضطراب وخوف عليهم في سبيل تعليمهم ومعلوم أن معظم هؤلاء الطلاب مغتربون يفدون من قري وأقاليم مترامية الأطراف. فالذي يلتحق بالجامعة ويقوم بترويع الآمنين وإحراق سيارات المارة وممتلكات العامة ويهدم جامعته ويريد لها الخراب, يناقض صفات المسلمين ويخالفها, فالمسلم الحقيقي كما أخبر النبي صلي الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, والمسلم لا يتأتي منه ضرر بأي حال من الأحوال ولو تم الاعتداء عليه, والله تعالي يقول... ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. والنبي صلي الله عليه وسلم يقول أعظم جرعة يتجرعها العبد جرعة غيظ وهو قادر علي تنفيثها. وأوضح الأطرش أن الذين يصرون علي التظاهر من طلاب الجامعة أساءوا إلي المرحلة السنية التي يعيشونها, وهي مرحلة الشباب, لأنهم لو كانوا شبابا بحق لكانوا أنقي فطرة, فالشباب هم الذين نصروا النبي صلي الله عليه وسلم في الوقت الذي خالفه فيه الشيوخ, والشباب هم الذين حملوا راية الإسلام ونشروا الإسلام في مهده, وهم أيضا الذين فتحوا البلاد طولا وعرضا, هؤلاء هم الشباب بحق الذين نفخر بهم ويعتز بهم الإسلام. والشباب الواعي هو الذي يعرف مكانة العلم والعلماء, وقد بين الإسلام أن الإنسان يرقي بما اكتسبه من علم وأخلاق, لا بالمال ولا بالجسم, ولا بالمنصب, فيقول شوقي: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت..فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا. ولقد بين الإسلام أن من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتي يرجع, وقال صلي الله عليه وسلم: العلماء ورثة الأنبياء, وقال تعالي: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم, وقال: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات. فالعلم نظيف ولابد أن يكون وعاؤه نظيفا. وقال النبي صلي الله عليه وسلم فيما ورد عنه: إنما بعثت معلما, وكانت اقرأ أول ما نزل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال تعالياقرأ باسم ربك الذي خلق, وناشد الأطرش الطلاب الحرص علي مصلحتهم وعدم التخلف عن الامتحانات, وعدم الالتفات إلي تلك الدعوات الهدامة بالإضراب, وأن يرحموا آباءهم وذويهم..وأن يضعوا نصب أعينهم قول معاذ بن جبل رضي الله عنه: إن الطير في السماء والسمك في الماء والنمل في الجحور يستغفر لطالب العلم. الأمر نفسه أكده الدكتور زكي محمد عثمان أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر وقال إنه لا يجوز لطالب علم تتكبد الدولة في سبيله آلاف الجنيهات لتوفير مقعد مناسب وقاعة درس وأعضاء هيئة تدريس وأبنية لإقامة المغتربين وغير ذلك, وفي المقابل يعرض الطالب عن كل ذلك وينشغل بالتخريب والعنف والتظاهر يوما تلو الآخر, وأخيرا يدعو للإضراب عن الامتحانات, ويتذرع في كل ذلك باسم حرية التعبير والاحتجاج السلمي! وطالب زكي عثمان الطلاب عامة وطلاب الأزهر خاصة بألا تنسيهم حقوقهم المزعومة حق غيرهم عليهم من وطن يجب الحفاظ عليه وليس تخريبه, وأساتذة ومعلمين يجب توقيرهم وليس التطاول عليهم ومنعهم من دخول قاعات المحاضرات, وأن ينظروا في أنفسهم أولا هل ما يفعلونه يصب في مصلحتهم ومصلحة وطنهم أم لا, وأن يحرصوا علي ما ينفعهم, وأن يقدم المصلحة العامة علي الخاصة, وإذا سلمنا جدلا بأن التظاهر والاحتجاج حق للمتظاهرين, من باب التعبير عن الرأي والحرية أو نحو ذلك, رغم أن هذا الحق ليس علي إطلاقه, فالذي يجب ألا ينساه أنصار هذا الاتجاه أن من حق غيرهم أيضا أن تراعي مصلحتهم وتحترم رغبتهم ما دامت مشروعة. واختتم قائلا: إذا كان الاحتجاج والتعبير عن الرأي, هو الغاية المرجوة من تلك التظاهرات فإن هذه الغاية لا يجوز الوصول إليه بوسيلة غير مشروعة لتخريب الجامعة أو غلق كليات أو إضراب ومنع موظفين من ممارسة أعمالهم, أو نحو ذلك, فالغاية لا تبرر الوسيلة لأن الغاية المشروعة لابد للوصول إليها من وسيلة مشروعة أيضا. توعية الطلاب وفي سياق متصل أوضح الدكتور إسماعيل عبد النبي شاهين, نائب رئيس جامعة الأزهر السابق, أن الطلاب في الجامعات يحتاجون إلي تثقيف وتوعية فكرية وثقافية وسياسية لأن مجتمع الجامعة يختلف عن مجتمع ما قبل التعليم الجامعي فالجامعة هي المكان والنظام الذي يربي في الطالب الملكة الفكرية القادرة علي استيعاب الأحداث الجارية في المجتمع وأساتذة الجامعات يقومون بهذا الدور إلي جانب عملهم الأكاديمي فهم يربون في الطالب هذه الملكة ويعطون له النصيحة والتوجيه كي يتمكن من ممارسة حياته العملية بنجاح داخل وخارج الجامعة وذلك من خلال الندوات والمؤتمرات والمحاضرات الثقافية التي يجب أن تحرص الجامعة علي إقامتها وعلي إقامة حوار بين الأساتذة والطلاب حتي يتمكنوا من استيعاب الأفكار الصحيحة ويكونوا نواة لإنسان صالح قادر علي خدمة مجتمعه. وأضاف: إن ما حدث في الفترة الأخيرة من انحراف الطلاب عن جادة الحديث إنما كان لغياب الوعي الثقافي بينهم ووقوعهم فريسة لأفكار متطرفة, فأحدثت عنفا وتخريبا في الجامعة, والعمل علي تعطيل الدراسة وممارسة كل الضغوط غير المشروعة والأساليب السيئة لتعطيل الدراسة وتخريب الجامعة لا لشيء إلا لإظهار الدولة بضعفها وفشلها في إدارة وتسيير الأمور في الجامعات. من جانبه أكد الدكتور جعفر عبد السلام, الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية, أن اللوائح الطلابية المطبقة حتي الآن تمنع الاشتغال بالعمل السياسي في الجامعات والذي يريد أن يعمل بالسياسة فليذهب إلي التجمعات والأحزاب السياسية الأخري, واللوائح يجب أن تطبق الآن أكثر من أي وقت مضي لأن العمل السياسي داخل الجامعة يؤدي إلي إفساد العملية التعليمية, فالمشاكل التي نراها الآن هي نتيجة لخرق اللوائح والقوانين وعدم تطبيقها.