صانع الملوك.. الأب الروحي.. الرجل الثاني.. عدة ألقاب كانت من نصيب جانج سونج تايك الذي ظل علي مدي عقود من أهم شخصيات النظام في كوريا الشمالية الذي تزعمته ثلاثة أجيال من عائلة كيم( الجد والأب والابن) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولسنوات طويلة كان تايك, الذي اعدمه زعيم البلاد الجديد بتهمة محاولة قلب نظام الحكم والفساد, مستشارا للزعماء الثلاثة إلي جانب كونه زوج شقيقة الزعيم الكوري الراحل كيم جونج إيل بل كان تايك بمثابة الرجل الثاني في الحكم خاصة في الفترة التي مرض فيها إيل.وحتي بعد تولي الإبن كيم جونج أون السلطة بعد وفاة والده, شعر الجميع بأنه يستطيع, بالرغم من صغر سنه, إدارة البلاد بشكل جيد بفضل وجود تايك الأب الروحي له وزوج عمته إلي جانبه وبالتالي سيملي عليه القرارات الصائبة التي اكتسبها من خبرته الطويلة. لكن بين عشية وضحاها تحول جانج سونج تايك67 عاما- من سياسي صاحب نفوذ واسع داخل دائرة الحكم إلي أحد معارضي الثورة ومنبوذيها المفسدين فيأتي كيم جونج أون الذي لم يتعد الثلاثين من عمره ليطيح بتايك وما قدمه للنظام ويصدر عددا من القرارات الصادمة التي كان أولها إقالته من منصبه نائبا لرئيس لجنة الدفاع الوطني, أعلي هيئة عسكرية في البلاد, وإعدام اثنين من مساعديه ثم بدأت عدد من المشاهد لتايك لحظة طرده من اجتماع الحزب بشكل مهين تنتشر من خلال الصحف ووسائل الإعلام حتي خرج الزعيم الكوري ليعلن أن السبب كان تورط تايك في عدد من قضايا الفساد وتمرده علي النظام الحالي وتخطيطه للاستيلاء علي السلطة الأمر الذي يعد خيانة عظمي مما جعله يمثل أمام المحكمة العسكرية. وبعد أن أقر تايك بإساءة استخدام منصبه والعمل علي تشكيل فصيل ضد النظام الحاكم لتحقيق طموحاته السياسية الشخصية جاء الحدث الذي لم يتوقعه أحد وهو الحكم علي تايك بالإعدام لتكون آخر طلة له من خلال وسائل الإعلام وهو محني الظهر ومقيد اليدين قبل لحظات من إعدامه. و قد تباينت التفسيرات حول إعدام تايك الذي وصف بأنه أكبر هزة تتعرض لها كوريا الشمالية منذ رحيل كيم جونج إيل منذ عامين. ويري بعض المحللين أن الزعيم الكوري كان يسعي لتوطيد سياسته منذ أن وصل للحكم وذلك بإقالته مئات المسئولين منذ2011 حتي إعدام تايك الذي يري البعض أن التهم التي وجهت له مبالغ فيها.فالاتهامات التي تضمنت تحدي قيادة الدولة ومنح نفسه التحكم في الاقتصاد وامتيازات قضائية وأمنية دون وجه حق ومحاولته تشكيل جبهة مضادة في حزب العمال الحاكم, لم تكن في الواقع سوي مجرد محاولات لإضفاء غطاء شرعي للقرار الذي تبعها. ومن ناحية أخري تكثر التكهنات حول وجود حالة من الضجر داخل النخبة الحاكمة الأمر الذي لا تظهره وسائل الاعلام بشكله الحقيقي في تلك الدولة المنغلقة. في حين يري البعض أنها رسالة قوية واستثنائية للعالم لم تحدث من قبل, فعمليات التطهير السياسي ليست بالأمر الجديد في كوريا الشمالية و لكن عادة ما تتم بتحفظ وليس بمثل هذه الصورة العلنية. أما علي الصعيد الخارجي فقد أثار قرار الاعدام ردود أفعال سريعة, فقد حذرت رئيسة كوريا الجنوبية جارتها من الاستمرار في الأفعال الاستفزازية في الوقت الذي خرج فيه وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ليصف الزعيم الشمالي بالقاسي والمتهور المفتقد للثقة ووجوب وضع حد للبرنامج النووي الكوري في حين تخشي الصين من تدهور علاقاتها التجارية مع كوريا خاصة عقب استدعاء عدد من رجال الأعمال بها التابعين لتايك الذي كان مسئولا عن العلاقات الاقتصادية بين الصين وكوريا. وما بين مؤيد ومعارض لقرار غير متوقع يقع الزعيم الكوري الصغير الذي ستثبت الأيام ما إذا كان قد أصاب حينما تخلص من مرشده ومستشاره السياسي أم أن صغر سنه جعله يصدر قرارات متهورة وطائشة ؟