يحتفل العالم في يوم9 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي لمكافحة الفساد. وتتضافر مؤسسات كثيرة من أهمها مؤسسة الشفافية الدولية بعقد لقاءات ومؤتمرات لمناقشة النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد. واستضافت القاهرة فعاليات اليوم العالمي لمكافحة الفساد والذي نظمته منظمة الشفافية الدولية والأمم المتحدة. لقد أصبح موضوع الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد الشغل الشاغل لكل مواطن وخاصة بعد مراحل التحول السياسي التي تمر بها مصر والمنطقة العربية. ولم يعد هذا الحديث مقصورا علي نخبة من المثقفين وغيرهم من المهتمين بالشأن العام بل أصبح الموضوع محل نقاش العامة والخاصة علي السواء. وبصفة خاصة المواطن البسيط. فعادة ما يأتي الضرر الأكبر من انعدام النزاهة والشفافية علي الفئات الأكثر ضعفا والأكثر فقرا في المجتمعات. إن انعدام الشفافية والنزاهة معوق أساسي لأي جهود للتنمية وله انعكاسات سلبية علي كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وذلك لما يسببه انعدام النزاهة من إهدار الموارد والثروات وعرقلة أداء المؤسسات وانجاز الوظائف والخدمات. فانعدام الشفافية يؤدي إلي زيادة تكلفة حصول المواطن علي الخدمات المختلفة مما يمثل تكلفة وعبئا ويؤثر سلبا علي عدالة توزيع الموارد حيث يساهم في إعادة تخصيص الثروات لصالح الفئة الأكثر قوة ممن يحتكرون السلطة أو ممن يحتكرون الإنتاج. وبالرغم من أن عملية التحول السياسي تتسم بالتباين الشديد من دولة إلي أخري, إلا أنه من الواضح أن في أغلب الحالات شكل غياب النزاهة والشفافية وانتشار الفساد القوة الدافعة لاشعال فتيل التحركات التي أدت إلي ثورات الربيع العربي. غير أن سقوط نظام سياسي لا يعني بالضرورة نهاية الفساد, بل علي العكس قد ينتشر خلال المراحل الانتقالية وقد تكون نقطة البداية هي معرفة الأسباب الاساسية التي أدت إلي إنعدام النزاهة والشفافية وانتشار الفساد.ووفقا لمؤشر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام2013, يصنف مؤشر الفساد الدول وفقا لمستويات الفساد في القطاع العام فيها وضمت القائمة177 دولة تحتل الدول الأكثر فسادا المراكز الأخيرة والأقل فسادا المراكز الأولي. وجاءت الدانمارك ونيوزيلندا في المركزين الأول والثاني واليابان في المركز الثامن وشغلت الولات المتحدة المركز19 والصين المركز.90 وجاءت السودان والصومال وليبيا والعراق وسوريا بين الدول العشر الأكثر فسادا في العالم بينما جاء ترتيب مصر144 بين177 دولة. وعلي الرغم من ان البيانات والمعلومات المتعلقة بهذه الظاهرة ماتزال نادرة وثقة الناس بشكل عام في قدرة الدولة علي التحرك الفعال مازالت ضعيفة ومع ذلك فإن التطورات التي تحققت مؤخرا تنبئ بإمكانية التغيير والتطوير في هذا المجال. وإذا نظرنا إلي الإطار المؤسسي لمكافحة الفساد في مصر نجد أنه يعاني من المشكلات التالية: .1 مشكلات تشريعية متمثلة في وجود ثغرات وقوانين في حاجة إلي إصلاح وتحديث فطبقا لمجموعة من التقارير الدولية الخاصة بمؤسسة الشفافية الدولية هناك: قوانين موجودة وتحتاج إلي تفعيل قانون العقوبات- قانون الوظيفة العامة. و قوانين مهمة غير موجودة لدعم منظومة الشفافية مثل قانون تداول المعلومات. وتعديل في بعض القوانين مثل قانوني الجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية بشكل يسمح بنشر تقاريرها للرأي العام, وتعديل قانون الكسب غير المشروع علي نحو واضح يتحدد فيه تضارب المصالح وقيم الهدايا التي يحصل عليها الموظف العام. 2- عدم وجود تنسيق بين الأجهزة الرقابية المختلفة. وعدم وجود الكوادر البشرية المؤهلة لتطبيق كل ما سبق ولديها ثقافة النزاهة والشفافية. وهنا لابد من تضافر جميع الجهات من اجل تطبيق هذه الثقافة وقد يساعد ذلك اعداد ميثاق شرف أخلاقي للوظيفة باعتباره محددا أساسيا أو إطارا عاما والعمل علي نشره. وهنا يأتي دور المنظمات المحلية والدولية المختلفة ومراكز الفكر والمجتمع المدني. فما الذي يجب أن تتبناه مصر والدول التي تمر بمرحلة انتقالية في تلك المرحلة لاشاعة إطار مؤسسي للنزاهة والشفافية. نحتاج إلي توسيع فرص المشاركة, وتبني منهج العمل الجماعي من خلال مشاركة المواطنين عبر الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ومراكز الفكر. ولكن يبقي دور القطاع الخاص مسألة حيوية وحاسمة, وفي معظم البلدان يتكون القطاع الخاص من مجموعة كبيرة ومتنوعة من المشروعات والشركات, إلا أن في مصر ومعظم بلدان المنطقة تمثل: المشروعات الصغيرة والمتوسطة, والشركات الوطنية الكبري, والقطاع غير الرسمي الذي يتكون من أصحاب المتاجر ورياديي الأعمال الذين يمارسون أعمالا خارج منظومة الاقتصاد الرسمي, الشكل الأساسي لهذا القطاع. هناك العديد من مجالات المشاركة التي يجب علي القطاع الخاص الاهتمام بها من أجل إنجاز التحول الناجح, ومحاربة الفساد وتشمل تلك المجالات: بناء جمعيات الأعمال, ومراكز الفكر التي تعزز الإصلاحات ووضع منظومة متكاملة للضوابط للحد من فرص حدوث الفساد. والعمل علي تعزيز حوكمة الشركات بوصفها جزءا جوهريا ومكونا أساسيا للاصلاح. فلحوكمة الشركات تطبيقات أوسع بكثير من مجرد اتخاذ الإجراءات الداخلية للشركات ولكنها تشمل طائفة واسعة من الأدوات التي تتعامل مع البنية الأساسية التي تعمل فيها هذه الشركات أي الإطار المؤسسي للبلاد. كما أن للقطاع الخاص دورا أساسيا في دعم جمعيات الأعمال ومراكز الفكر وغيرها من المنظمات. وللأبحاث الأكاديمية دور لا يثمن في دعم أجندات السياسات العامة والتوعية بأمور انتشار ثقافة النزاهة والحد من الفساد. في السياق ذاته, فإن لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومركز الدراسات الاقتصادية والمالية بالكلية نشاط ملحوظ في هذا المجال من خلال مبادرة النزاهة والشفافية بالتعاون مع إحدي الشركات متعددة الجنسية من خلال التعليم والتدريب والتثقيف, وفي هذا الإطار قام المركز بتنظيم العديد من ورش العمل التي جمعت الأكاديميين بصناع السياسيات والمسئولين للوقوف علي تحليل لأسباب الفساد وكيفية مكافحته بأساليب أكثر فعالية, كما قام المركز بالتعاون مع وزارة الدولة لشئون الشباب بتنظيم أكثر من عشرة برامج تدريبية لطلاب الجامعات المختلفة علي مستوي محافظات الجمهورية للتوعية بالفساد وصوره وأساليب مكافحته, ولاتزال هذه البرامج مستمرة لتغطي أكبر عدد من الجامعات المصرية; بالإضافة إلي إدخال الطلائع ضمن الفئات المستهدفة بالتوعية من خلال عقد هذه الدورات التدريبية في المدارس. واستكمالا لأنشطة المبادرة في الجامعات, فإن نموذج طلاب ضد الفساد هو تجل لفكرة تعدي الطلاب لمجرد متلقين للتوعية إلي فاعلين من خلال البحث والمناقشة والوصول إلي أطر تنظيمية لمكافحة الفساد من خلال المنهج العلمي, ويعمل هذا النموذج الآن من خلال فرعين; جامعة القاهرة وجامعة أسيوط مع وضع جامعتي سوهاج والاسكندرية ضمن خطة التوسع. عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة لمزيد من مقالات د.هالة حلمى السعيد