ما الذي تشير إليه تظاهرات الطلاب والشباب المصري من كافة الشرائح الاجتماعية في الجامعات والشوارع والميادين في القاهرة والإسكندرية وبعض مدن المحافظات؟ ما هي أسباب الاحتجاجات السياسية والجيلية, ودلالاتها في هذه المرحلة, وهل هي تعبير عن رفض ما يحدث من السلطة الانتقالية؟ هل العنف المتدفق من الشعارات والهتافات هو تعبير عن مواقف جماعة الإخوان المسلمين, والقوي الإسلامية الداعمة والعاطفة عليها بعد رحيل الرئيس السابق عن سدة السلطة؟ أم أن وراءها ما وراءها؟ هل تتفهم الطبقة السياسية الانتقالية, والمعارضة العنف ومحمولاته وما وراءه من أسباب ودوافع سياسية وجيلية واجتماعية؟ هل التعامل الأمني, وقانون التظاهر, أو حتي اللجوء إلي إجراءات استثنائية بما فيها نظام الطوارئ يمكنه مواجهة هذا القلق والعنف الجيلي الشاب, وذلك علي المدي الطويل؟ ما سر هذا الفشل في فهم الشباب المصري منذ أحداث1968, والحركة الطلابية العظمي لجيل السبعينيات في72-1973, ثم شباب حركة كفاية, و6 أبريل, وكلنا خالد سعيد, و25 يناير وما بعد من أحداث محمد محمود2,1, وميدان سيمون بوليفار, وأحداث الاتحادية ثم حركة تمرد وما بعدها, وحتي اللحظة الراهنة ومآلاتها الاحتجاجية؟ لماذا يلجأ بعض الشباب إلي الإعلان جهرا عن عدم إيمانهم بالمعتقدات والطقوس الدينية عموما, وذلك بعد أن كان بعضهم لا يعلن عن ذلك خشية البيئة الدينية المحافظة التي ترفض من لا يدينون بالأديان السماوية الإسلامية والمسيحية واليهودية؟ هل فشلت مؤسسات التنشئة الاجتماعية الرئيسة الأسرة والمدرسة والجامعة... إلخ في أداء المهام المنوطة بها؟ أم أن ثمة أجهزة ومؤسسات جديدة هي التي تصوغ التنشئة الاجتماعية والسياسية خارج الأطر والقنوات والقيم الاجتماعية والدينية السائدة؟ هل أخفقت المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية الكبري وأذرعها المنتشرة في جميع أنحاء البلاد في الأرياف والحضر عن أداء المهام والأدوار المنوطة بها في التنشئة الدينية, وفي زرع وإنماء الوازعات الأخلاقية, وروح المسئولية والانتماء, وقيم الإيمان بالله ورسله, والحرية والمساواة والخير والعدل, ومقاومة الشرور والعنف, والدفاع عن الإنسان أيا كان؟ هل يدفع المصريون ثمن ثقافة التواطؤ بينهم وبين السلطة الغاشمة طيلة أكثر من ستين عاما مضت؟ أم ثمن سكوتهم, وصمتهم علي تدهور مؤسساتهم, وطبقتهم السياسية التسلطية؟ بل والطبقة الدينية الرسمية الإسلامية والمسيحية التي عمل بعضهم داخلها كرديف للسلطة الحاكمة ومبررين لسياساتها وقراراتها ومصالحها الاجتماعية والسياسية ورمزياتها علي اختلافها؟ هل نحن ندفع الآن الأثمان السياسية والدينية المؤجلة لعدم نقد ثقافة التسلط السياسي والديني التي تمددت إلي عقولنا ووجداننا وخيالنا الجمعي المأسور وراء معتقلات الضمير؟ هل ندفع الآن وغدا ثمن عدم نقدنا الموضوعي لبعض رجال الدين, ونزع مسوح القداسة التي حاول بعضهم أن يجعلها قناعا لبناء مكانتهم وسطوتهم علي عقائد الناس, وإيمانهم وضمائرهم الحرة؟ ما الذي يجعل بعض الشباب يهجرون معتقداتهم إلي أديان ومذاهب أخري, أو إلي دوائر عدم الإيمان بالمقدس الديني ويرحلون إلي مقدسات وضعية أخري؟ ألا تؤدي هذه الظواهر إلي هز عروش السلطات الدينية وقادتها وبعض الجيوش العاملة في نطاقاتها وتحت لواءاتها وتنظيماتها وتقاليدها؟ ألا يطرح ذلك أسئلة في العمق عن مدي جدوي الإنتاج الفقهي والدعوي والإفتائي والخطابي واللاهوتي لهذه المؤسسات وقادتها ورموزها؟ ألا يقلق ذلك ضمائرهم؟. ألا يدفع ذلك إلي طرح أسئلة التغيير والتطوير في السياسات الدينية, وفي المنطق الذي تقوم عليه, وروح الطمأنينة والاستقرار التي تسود حياتهم وأفكارهم, وأنماط تفكيرهم التقليدية؟ لماذا تشيع روح وثقافة التواطؤ بين بعض رجال الدين وبعضهم علي ما يقومون به من مألوف الأعمال والمقاربات الفكرية التي تعتمد علي مواريث القدماء منذ قرون, ويعيشون علي إنتاج بعضهم التقليدي, وليس علي الفقه الاجتهادي الذي قام به بعض أكابر الفقهاء وعلماء الكلام, والمفسرين؟ لماذا يستعاد اللاهوت التقليدي والتاريخي, ويقدم إلي الأتباع من المصريين الأرثوذوكس علي أنه صنو الهوية الفرعية, وتعبيرا عن الاستمرارية الدينية والمذهبية عبر الزمان؟ لماذا رهاب التجديد والاجتهاد يسيطر علي رجال الدين أيا كانوا؟ لماذا تنتفض الجماعات والسلطات الدينية الرسمية أيا كانت إزاء أي مسعي يحاول طرح الأسئلة الجديدة, وينتقد التقاليد الفكرية والمذهبية السائدة؟ لماذا الخوف من الاجتهاد والتجديد عموما, وبعض ما يقدم في إطارهما من أعمال أو تمرينات اجتهادية, ويتم التصدي لها في شراسة وعنف خطابي, بل ووصم القائلين بها بالهرطقة والخروج علي الصراط الديني المستقيم؟ لماذا لا يتم التعامل النقدي والتقويمي لها دونما تحريض عليها وعلي أشخاصها؟. لماذا تخفق مساعي تطوير السياسة والمناهج التعليمية الدينية السائدة؟ لماذا تدور محاولات التطوير في ذات الدوائر التقليدية؟ هل هو الخوف من انكسار التماسك الداخلي لطبقة رجال الدين؟ أم الخشية من تفكك المؤسسة, وضعف حضورها في المجال الديني, أو في المجال السياسي, أو في إطار السياسة التسلطية للطبقة السياسية الحاكمة, ونظامها التسلطي المستمر حتي الآن؟ لماذا فشلت غالب محاولات تطوير النظم والسياسات والمناهج التعليمية المدنية الرسمية في المدارس, والجامعات, بل والتعليم ما بعد الجامعي الذي يخرج سنويا أعدادا من الحاصلين علي الماجستير والدكتوراه دون المستويات والمعايير الدولية المعروفة؟ هل التجريف السياسي والثقافي والوظيفي هو نتاج بعض هذه السياسات التعليمية والبحثية الرديئة السائدة في مدارسنا, وجامعاتنا, ومراكز البحث الاجتماعي والسياسي والاقتصادي التي تنتشر كالفطر, ومحصولها لا يعدو سوي تراكم لخطابات من اللغو الأكاديمي!, وإعادة إنتاج للمقولات والشعارات العامة التي لا تعكس بحثا أو درسا علميا للظواهر والمشكلات والأزمات موضوع هذه البحوث؟ ومن ثم لا تفسر ولا تحلل ولا تكشف عن عمق هذه المشكلات الكبري والصغري التي نعانيها! ثمة استثناءات لا شك في جديتها, ولكن لا يمثلها سوي قلة جادة ومبدعة, ولكنها غائبة عن المشاهد الأكاديمية والدوائر الرسمية والإعلامية, ويعاني بعض القلة القليلة منهم الإهمال والتجاهل بل والاستبعاد وأحيانا التشهير بها! هل درست مشاكل الشباب المصري علي تعددها واختلافها أيا كانت انتماءاتهم السياسية والاجتماعية والدينية أو اللادينية, وذلك لكي تعرف السلطات الحاكمة كيف يمكنها التعامل معها بالسياسة والفكر والأهم الإدراك السياسي والجيلي المتجدد, والأهم.. الأهم باستيعاب روح وتطورات عصرنا المعولم المؤثرة علي تفاصيل حياتنا اليومية وتطوراتها. لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح