تتوسل أمي في دعائها بالنبي صلي الله عليه وسلم وآل بيته, وأعلم أن الدعاء يكون خالصا لله دون توسل, فما حكم ذلك؟ أجابت دار الإفتاء أن الوسيلة في اللغة: القربة, ومن رحمة الله بنا أن شرع لنا كل العبادات وفتح باب القربة إليه, فالمسلم يتقرب إلي الله بشتي أنواع القربات التي شرعها الله عز وجل, وعليه فإن القرآن كله يأمرنا بالوسيلة إلي الله, وقد اتفقت المذاهب الأربعة علي جواز التوسل بالنبي, صلي الله عليه وآله وسلم بل استحباب ذلك, وعدم التفريق بين حياته وانتقاله الشريف صلي الله عليه وآله وسلم, ولم يشذ إلا ابن تيمية حيث فرق بين التوسل بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم في حياته وبعد انتقاله صلي الله عليه وآله وسلم ولا عبرة لشذوذه, وفيما يلي نسرد الأدلة من الكتاب والسنة التي كانت لإجماع المذاهب الأربعة وهي: أدلة القرآن الكريم: في قوله تعالي:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون)( المائدة:35). وفي ذلك أمر للمؤمنين أن يتقربوا إلي الله بشتي أنواع القربات, والتوسل إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الدعاء من القربات, التي ستثبت تفصيلا في استعراض أدلة السنة, وليس هناك ما يخصص وسيلة عن وسيلة, فالأمر عام بكل أنواع الوسائل التي يرضي الله بها, والدعاء عبادة ويقبل طالما أنه لم يكن بقطيعة رحم, أو إثم, أو احتوي علي ألفاظ تتعارض مع أصول العقيدة ومبادئ الإسلام, وأيضا:( أولئك الذين يدعون يبتغون إلي ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا)( الإسراء:57), وفي هذه الآية يثني الله عز وجل علي هؤلاء المؤمنين الذين استجابوا لله, وتقربوا إليه بالوسيلة في الدعاء, وقوله تعالي:( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما)( النساء:64), وهذه الآية صريحة في طلب الله من المؤمنين الذهاب إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم واستغفار الله عند ذاته صلي الله عليه وآله وسلم الشريفة, وأن ذلك أرجي في قبول استغفارهم, وهذه الآية باقية وحكمها باق, وأدلة السنة: عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن رجلا ضرير البصر أتي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني, قال:( إن شئت دعوت, وإن شئت صبرت فهو خير لك), قال: فادعه, قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء:( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد, نبي الرحمة, يا محمد إني قد توجهت بك إلي ربي في حاجتي هذه لتقضي, اللهم فشفعه في) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه, وصححه جماعة من الحفاظ منهم: الترمذي وابن خزيمة والطبراني والحاكم, وهذا الحديث دليل علي استحباب هذه الصيغة من الأدعية; حيث علمها النبي صلي الله عليه وآله وسلم لأحد أصحابه, وأظهر الله معجزة نبيه صلي الله عليه وآله وسلم حيث استجاب لدعاء الضرير في المجلس نفسه, وإذا علم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أحدا من أصحابه صيغة للدعاء ونقلت إلينا بالسند الصحيح دل ذلك علي استحباب الدعاء بها في كل الأوقات حتي يرث الله الأرض ومن عليها, وليس هناك مخصص لهذا الدعاء لذلك الصحابي وحده, ولا مقيد لذلك بحياته صلي الله عليه وآله وسلم, فالأصل في الأحكام والتشريعات أنها مطلقة وعامة, إلا أن يثبت المخصص أو المقيد لها.