الأستاذة الفاضلة محررة بريد الجمعة مقدمه لسيادتك مواطن من شبين الكوم منوفية, يستغيث ويستجير من الفقر , كفاكم الله شر البيات في العراء,في عز البرد بلا سقف يستر أويحمي أويمنع عن العيال مطر الشتاء. انا مواطن يبلغ من العمر46 عاما,متزوج واعمل كهربائيا, ومرفق مع رسالتي صورة من بطاقتي وبياناتي الرسمية, وعندك عنواني بالتفصيل, ان أراد أحد أن يبذل محاولة جادة ويأتي الي حيث نقيم ويري ويعاين حياتنا علي الطبيعة. انا واخوتي الاثنين نعيش في بيت فلاحي دور ارضي مبني بالطوب والطين ومسقف بالغاب والبوص, وغير مبلط, البيت ثلاث غرف كل منا مع زوجته وعياله يعيش في غرفة, والحمام مشترك. الفقرعذاب حياتنا اليومي, من يمرض فينا لا يفكر في شراء دواء,ويستسلم, حتي ان كان مرضه ألم في الرئة مثلي, ويصعب عليه التنفس و حتي لو كان مثل اخي تزوج ولم ينجب ولا يعرف حتي اليوم السبب, ولا العلاج, فلا هو ولا زوجته يستطيعان توفير ثمن كشف الدكتور, والانجاب في هذه الظروف مأساة ومعاناة. اين يعيش العيال والكبار انفسهم بلا بيت ولا عنوان ؟ الفقر يجعلنا بلا آدمية ولا كرامة,وكأن الدنيا كلها لا تقبلنا, وكأننا نحمل العار مدي العمر,لقد قضيت وقتا طويلا اناشد عددا من المسئولين ليوفروا لنا مسكنا يسترني مع اخوتي, لكنهم لم يستجيبوا ولم يرحمونا, ورحم الله امي بوفاتها, فكان الموت هو الراحة والانقاذ الوحيد لها مما نحن فيه حين قرأت صفحتك مرة, جاءني خاطر, وقلت ربما ان ارسلت لك جوابا, اجد في قرائك,من يريد ان يفعل خيرا وينصفني, علي الاقل يستطيع ان يساعدنا انا واخوتي كي نعيش و لو في شقة صغيرة بدون تشطيب, نحن لا نطلب غير الستر والكرامة,انا اعمل يوما واجلس خمسة ايام مكاني بسبب مضاعفات السكر ومرض الرئة,لكني لا ازال احاول, وعندي أمل.... ياسر نبوي من العبقري الذي قال( لو كان الفقر رجلا.. لقتلته)؟ ومن المغفل الذي قال( عمر المال ما يقدر يشتري السعادة) ؟!! رحم الله الامام علي ابن ابي طالب حين قال: الفقر في الوطن غربة,والغني في الغربة وطن.. وطيب الله ثري سعد زغلول الذي قال: انا من الذين يفهمون العالم كما هو, لا كما ينبغي ان يكون.. لكل من يستهجن وينكر ضرورة المال لتحقيق انسانية الانسان علي الارض, كتب عدد من الفلاسفة والمؤلفون في العالم, يقولون: ان لم يجلب لك المال السعادة, فعلي الاقل سيجعلك تعيسا مرتاحا, الذين يعتقدون ان المال لا يشتري السعادة, هم فقط لا يعرفون من اين يشترونها!! في إحدي التجارب العلمية التي اجريت عام2002, درس الباحثون حياة22 شخصا من الفائزين في جوائز اليانصيب, وقد حصلوا علي الثروة فجأة, وكانت الدراسة بهدف معرفة تأثير الثروة علي سعادتهم. وجدت الدراسة ان الثروة الكبيرة لا تعني بالضرورة سعادة كبيرة تدوم علي مدي طويل, وقد ذكر الدكتور شريف عرفة في كتابه( دليلك العلمي للسعادة والنجاح) ان الشخص النكدي والكئيب مثلا, حتي لو كان غنيا سيجد سببا وجيها للتعاسة والشكوي والحزن, سيقول مثلا ليس عندي قصر مثل جاري فلان.. لا تعجبني وظيفتي ومديري سيئ, وزملائي حسودين والاسهم انخفضت في البورصة, ووكيل اعمالي غبي وهكذا سيشكو بلا نهاية... زيادة المال ليست بالضرورة سبب لزيادة السعادة, لكن هناك حدا أدني من الدخل والاكتفاء والستر والامان المادي, يجب ان يتوفر للانسان, مبدئيا, كي لا يكون تعيسا وشقيا بسبب مرض لا يملك ثمن العلاج منه, او بسبب جوع ابنه وحرمانه, اوبسبب بيت آيل للسقوط فوق رأسه ولأنه يبات مهددا بالطرد. المال كحد ادني يعطيك مساحة وبالا, كي تقرأ هذه الجريدة وهذه الرسالة و ذاك المقال. جميعنا يحتاج حدا ادني من الدخل كي يتعلم ويفهم ويتقدم في حياته ويواصل البحث عن فرص افضل. المال يخلق حافزا للعمل والسفر وبذل جهد اكبر. يقول الإمام الشافعي( لو كنت ذا قلب قنوع.. فأنت ومالك الدنيا سواء), فما المانع ان تكون غنيا قنوعا؟ وصحيح ان المال ليس الدافع الوحيد لحركة الحياة وبذل جهد في العمل ويجب ألا يكون الدافع الوحيد, لأن العمل في حد ذاته شرف وعبادة وقيمة, ولكن المقصود ألا نبالغ في قبول الفقر او تبجيله علي اعتبار انه خير دليل علي الشرف والاستقلال والبعد عن الفساد. هناك خطورة شديدة من ثقافة الاعتزاز بالفقر في البلاد الفقيرة, وهي ثقافة روجت لها العديد من افلام السينما العربية وكثير جدا من المقالات والاشعار الزائفة, بينما الحقيقة ان( المال والبنون زينة الحياة الدنيا) وعدد كبير من الصحابة والمبشرين بالجنة كانوا من اغنياء قومهم. وعودة اليك ايها المواطن صاحب الرسالة, الفقير إلي الله وإلي الوطن والناس, احتياجا لمسكن يستر ويحمي من العراء والبرد والمطر, عودة اليك يا صديقي ياسر, بالتأكيد ليس المطلوب من الفقير ان ينتحر, او ييأس, وهذه ليست محاضرة عن المال والسعادة فلست في احتياج لها علي ما أظن, انت تحتاج لوطن ودولة ونظام يحترم آدمية المريض والمقعد والفقير العاجز عن كسب قوته وتوفير احتياجات حياته الاساسية, وحين تترك الدولة فراغا في هذه المساحة الخطرة, قد يتسلل اليها اصحاب رءوس الأموال المشبوهة من ذوي الاغراض الخبيثة, التي قد تدعي تحت يافطة العمل الخيري والاهلي انها صاحبة( رسالة) ويد بيضاء, بينما هي في الحقيقة, لا تريد خيرا لا بالبلاد ولا بالعباد. بالدرجة الأولي اوجه هذه الرسالة للسيد المحترم وزير الاسكان الحالي لحسن ظني بهمته وفهمه لطبيعة عمله ودوره, ثم من بعد ذلك رحمة الله قريب من المحسنين, والحمد لله مازال فينا وبيننا قلوب تشعر وعقول تميز وتفهم وتعي.