لم تشهد أوكرانيا أي مظاهرات تذكر منذ ما يقرب من تسع سنوات وتحديدا منذ عام2004 الذي شهد الثورة البرتقالية والتي خرج فيها جموع الشعب الأوكراني وهم يحملون علمهم الذي يختلط لونه الذهبي بالأزرق وإلي جانبه كلمة الاستقلال والتي كانوا يريدون من خلالها مطالبة أوكرانيا بالاستقلال بعيدا عن سطوة الدب الروسي الذي أراد فرض المرشح الرئاسي فيكتور يانوكوفيتش من خلال انتخابات غير نزيهة ليصطدم بمظاهرات تطالب بنزاهة الانتخابات فتجهض المحاولة الأولي ليانوكوفيتش للفوز بالرئاسة آنذاك. وها هي المظاهرات تتجدد مرة أخري وتكسو شوارع أوكرانيا بخروج ألوف المتظاهرين في ميدان الاستقلال بالعاصمة كييف ومنها خروج سلاسل بشرية في الشوارع الرئيسية وهم يرتدون علم الإتحاد الأوروبي ويهتفون ثورة.. ثورة يطالبون من خلالها بإقالة يانوكوفيتش الذي فاز في الانتخابات السابقة, وذلك عقب موقفه الصادم برفض التوقيع علي أتفاق الشراكة بين الإتحاد الأوروبي وأوكرانيا خلال القمة التي انعقدت الأسبوع الماضي في العاصمة الليتوانية فيلنيوس. لذا فقد دعت أحزاب المعارضة الرئيسية وعلي رأسها حزب التحالف الديمقراطي الأوكراني من أجل الإصلاح والذي يتزعمه بطل الملاكمة والذي يعتزم خوض انتخابات الرئاسة عام2015 فيتال كاليتشيكو إلي جانب حزب باتكيفشينا( الوطن) الذي ترأسه رئيسة الوزراء السابقة والمسجونة حاليا يوليا تيموشينكو للخروج من أجل التخلص من تبعية روسيا وتحقيق حلم الاندماج مع أوروبا فيستجيب ما يزيد علي100 ألف مواطن فيكسون الشوارع غير مبالين بقانون منع التظاهر ولا بموجة الصقيع الشديدة. ومع احتدام الأمر بين المتظاهرين وقوات الأمن خرج الرئيس الأوكراني في محاولة فاشلة لتهدئة الأوضاع بقوله إنه سوف يسعي لدراسة الآمر بشكل أفضل والتقرب للإتحاد الأوروبي في حين أن رفضه مسبقا يعني احتمالية توقف عملية الانضمام لشهور وربما لسنوات لذا فآن الأوضاع تزداد سوءا وتخلف الاشتباكات بين الشعب والشرطة المئات من الجرحي ويزداد التصعيد من جانب المعارضة بدعوتهم للإضراب العام والنزول للشوارع والميادين. ولا شك أن أوكرانيا في وضع بالغ الحساسية خاصة وأن كلا من الاتحاد الأوروبي وروسيا قد وضعا الكرة في ملعبها وكان عليها الاختيار وتحمل العواقب. فقد كان من المقرر انه في حال توقيع كييف علي الاتفاقية, فإنها كانت ستستفيد من فرص التنمية الاقتصادية التي يتيحها الانضمام إلي أكبر تكتل اقتصادي في العالم, خاصة أنه طبقا لنتيجة استطلاع للرأي أجراه مركز جي. أف. كيه فإن45% من الأوكرانيين يؤيدون الانضمام للاتحاد الأوروبي, مقارنة بنسبة15% فقط تفضل الانضمام للاتحاد الجمركي الروسي, بينما40% لم يهتموا بالأمر. وقد سعي الاتحاد لإقناع الرئيس الأوكراني بتوقيع الاتفاق وذلك لأن أوكرانيا تبرز الآن كدرع يحصن أوروبا من التوسع الروسي في حين تسعي روسيا لجذب أوكرانيا بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخري. فخلال القمة عرض يانوكوفيش للمشاكل الاقتصادية الحرجة التي تتعرض لها بلاده وأشار إلي أن علي أوكرانيا إيجاد12.5 مليار يورو خلال18 شهرا لتتمكن من سد ديونها وتدفع فواتير الغاز المترتبة عليها إلي روسيا. الرئيس الأوكراني طلب من أوروبا صراحة المساعدة في تغطية الخسائر التجارية والاقتصادية, وكان قد وصف مبلغ ال600 مليون يورو الذي اقترحته دول الاتحاد الأوربي الثمانية والعشرين مبلغ لا يرتقي لمستوي الاحتياجات, وفي مقابل العرض الأوروبي قدمت روسيا عرضها الخاص لأوكرانيا من خلال أهم ورقتي ضغط ألا وهما: الغاز والحدود فأوكرانيا تستورد من روسيا80% من احتياجاتها من الغاز بثمن مرتفع, وتمر معظم صادراتها التجارية عبر الحدود الروسية حيث عرضت روسيا تقديم خصومات كبيرة علي أسعار الطاقة الروسية, واستمرار الحدود المفتوحة نسبيا بين البلدين, فضلا عن إحياء الشراكات الصناعية القديمة التي كانت قائمة في عهد الاتحاد السوفييتي. كما وجهت تهديدا بشكل غير مباشر بأنه في حال موافقة أوكرانيا علي التوقيع تكون قد وقعت في خطأ فادح وأن العلاقات التجارية الضخمة مع روسيا ستتعرض لانتكاسة كبري. ومن ناحية أخري تعرض مراقبو الاتحاد الأوروبي لانتقادات لوضعهم شرط إطلاق سراح يوليا تيموشينكو والسماح بالعلاج في ألمانيا في مقابل الاتفاقية وهو ما كان له دور سلبي في تراجع الرئيس الأوكراني عن التوقيع, ذلك لآن موافقة الرئيس الأوكراني علي تنفيذ الشرط يعني أنه قد أوجد لنفسه المتاعب في الانتخابات الرئاسية المقبلة, كما أن قصتها باتت جزءا من الماضي ولا يجب ربطها بمستقبل البلاد.