كتاب اصفرت أوراقه, ولم يجد إلا الإهمال بعد أن رحل صاحبه عنه.. صينية فضية يعلوها الصدأ والتجريح بعد أن كانت تتلألأ إشراقا في يد صاحبتها.. زجاجة عطر ذهبية كانت شاهدة علي قصة حب ضاعت.. برواز خشبي كان يسكن صدارة المنزل يحمل صورة المرحوم.. تذكرة سينما احتفظ بها أصحابها تذكارا لمشاعر جميلة لم يتبق منها إلا الفيلم.. حقيبة سفر شاهدة علي أيام الصفا.. بدلة سوداء سموكن أكلتها الأيام.. فنجان قهوة بدون يد كان ضمن جهاز العروس. بعض أشياء جميلة تحولت بمرور الوقت إلي روبابيكيا.. تلك الكلمة الإيطالية الأصل تعني الأشياء القديمة, التي تمثل رموزا لتاريخ رحل, ولكنه مازال ينبض بالحياة, أشياء لها ذكري تحمل رائحة الماضي وشجونه, وتدفع إلي الحنين للأيام البعيدة. كثيرون منا لا يستطيعون التخلص من أشيائهم القديمة, والسبب هو الشعور بعدم الأمان منذ الطفولة, وذلك حسب قول عالمة النفس ماريز فايان, التي أكدت أن من لديه هذا الشعور يجب مساعدته علي الاحتفاظ ببعض هذه الأشياء حتي لا ينهار نفسيا. وهناك كتاب مشهور بعنوان عبودية الكراكيب, يري مؤلفه ضرورة التخلص من الكراكيب المادية والنفسية, حتي تستقيم الحياة, وحتي يتم المحافظة علي الطاقة الإيجابية, إلا أن البعض لا يستطيع إلا الاحتفاظ بها حتي يشعر بالاطمئنان. وعموما, ليس هناك من مخزن أكثر ثباتا واستمرارا أكثر من القلب, وهذا ما يفسر عدم امتلاك الكثيرين شجاعة التخلي عن الأشياء القديمة, برغم أن تلك الأشياء تخلت عن أصحابها فعلا. وتبقي مهنة الروبابيكيا مهنة لا تسمن ولا تغني من جوع.. يلجأ إليها البسطاء, وهم لايدرون أن ما يحملونه كان يمثل لآخرين عمرا جميلا, أصبح روبابيكيا!