تستهدف التكنولوجيا الحيوية توظيف كائنات حية أو منتجات هذه الكائنات أو الآليات البيولوجية التي تقوم بها هذه الكائنات وذلك في تقنيات مبتكرة تعتمد علي علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء والديناميكا الحرارية والتصميمات الهندسية بما يحقق فائدة مستهدفة. وكان غلاف عدد30 أكتوبر عام2000 لمجلةNewsweek الأمريكية ذا دلالة في هذا الشأن, حيث أوضح كيف تحول البيوتكنولوجي المواد البيولوجية إلي أموال. وهذا يدفعنا إلي القول بأنه إذا كانت وفرة المواد الخام هي وليدة الأقدار, فإن التكنولوجيا وليدة الأفكار والابتكار. ويعني البيوتكنولوجي بتقنيات توظيف الخلايا الميكروبية والحيوانية والنباتية أو بعض المكونات الخلوية مثل مضادات الأجسام والإنزيمات والمادة الوراثية, أو التدخل في العمليات البيولوجية بهدف إنتاج أو تكسير أو تحويل طبيعة كائنات أو مواد معينة بما يؤدي إلي فائدة للمنتج. وتمتد تطبيقات البيوتكنولوجي إلي علوم الميكروبيولوجي والبيولوجيا الجزيئية, وعلم المناعة والكيمياء الحيوية وعلم العقاقير والطب الشرعي, والزراعة والصحة وعلوم التغذية والبيطرة وبعض الصناعات, وتدوير المخلفات وإنتاج الطاقة من مصادر بديلة. وقد حققت بحوث البيوتكنولوجي في الدول المتقدمة إنجازات عظيمة الأثر بشكل مثير خلال الأربعين عاما الماضية, ويرجع ذلك في المقام الأول إلي تطوير صناعة الأجهزة العلمية وهندسة المفاعلات البيولوجية وابتكار طرق مستحدثة في البحوث البيوتكنولوجية. ويرتبط بموضوع التكنولوجيا الحديثة ابتكار ما يطلق عليه اسم التكنولوجيا شديدة الدقةNanotech, وهي تتعامل مع ابتكارات صناعية تقل أبعادها عن'100' نانومتر, وقد رصد لأبحاثها في أمريكا منذ ميزانية عام2001 مليارات الدولارات, ومنها تقنية تعرف باسم' الأنابيب شديدة الدقة' أو النانوتيوبسNanotubes والتي تقوم إحدي الشركات في مدينة كمبردج في ولاية ماساشوستس الأمريكية بإنتاجها. وقد أنشأت الدول الأوروبية فيما بينها اتحادا للتكنولوجيا الحيوية يعرف باسمEuropeanFederationofBiotechnology(EFB) يهدف إلي دعم الأنشطة البيوتكنولوجية بصفة عامة, ودعم التعاون في هذا المجال بين الدول الأوروبية وفي مجال البحث العلمي تم تخصيص دوريات علمية لنشر البحوث في هذا المجال. وعلي سبيل المثال خصصت في أمريكا مجلة باسمBiotechniques لهذا الغرض, ومجلةNatureBiotechnology ومجلةCytotechnology التي يصدرهاKluwarAcademicPublishers ومجلةBioengineeringandBiotechnology التي تصدر في بركلي بأمريكا, ومجلةBiotechnologyProcess التي تصدرها الجمعية الكيميائية, ومجلةBiotechnology التي تصدرها مؤسسةElesvier. وعلي سبيل الأمثلة فإنه في المجال الطبي توظف التكنولوجيا الحيوية في الحصول علي مضادات أجسام وحيدة المنشأ, والكشف عن أنتجنات معينة, وفصل خلايا معينة من معلق من عدة طرز خلوية, وإنتاج الإنترفيرون وتحميل العقاقير وإنتاج الهرمونات واللقاحات, وإذابة الجلطات, وإنتاج المضادات الحيوية, وإنتاج الفياجرا, وفي تقنيات الخلايا الجذعية والبصمة الوراثية وإحباط' الرنا' الخاص بإحداث حالات مرضية معينة, والعلاج بالجينات وعلاج مشاكل الإنجاب ونقل الأنسجة والأعضاء. وفي مجال الصناعات الغذائية توظف التكنولوجيا الحيوية في إنتاج الإنزيمات اللازمة للصناعات الغذائية مثل صناعات المخبوزات والألبان والأسماك والمشروبات الكحولية واللحوم والخضراوات والفاكهة, وكذا في إعطاء نكهة خاصة للأطعمة المصنعة. والصلة وثيقة بين التكنولوجيا الحيوية ومجال الهندسة الوراثية التي تتناول الكائنات الدقيقة والنباتات والحيوانات, وتهدف إلي تحقيق استفادة للإنسان. كما توظف التكنولوجيا الحيوية في التخلص من كثير من النفايات الناتجة عن الصناعات والأنشطة الزراعية والمنزلية مما يحمي البيئة من حولنا. وواقع الأمر أن الفجوة زادت بين الدول المتقدمة والدول النامية. وفي افتتاح المؤتمر العالمي للعلومWorldConferenceonScience الذي عقد في يونيو1999 قال' سواميناثانM.S.Swaminathan' وهو أحد مهندسي الثورة الخضراء-:' إن للعلم بلا شك دورا حاسما في استئصال الفقرpovertyeradication, وأن انعدام السبيل إلي المعرفةlackofaccesstoknowledge هو أحد أسباب الفقر, وقد فطنت دول صاعدة إلي أهمية ممارسة آليات التقدم, فمن خارج القارة الأوروبية وضعت الهند برنامجا يحقق أن تقوم خمسون جامعة هناك بالتأهيل في مجال البيوتكنولوجي بحيث يتخرج منها سنويا500 متخصص في هذا المجال. وفي البرازيل أعطيت الأولوية في بحوث البيوتكنولوجي لتلك التي تتناول الجينات المسرطنة. وفي اليابان تم في أكتوبر عام2000 افتتاح مركز علوم الجينومGenomeSciencesCentre في يوكوهاماYokohama برئاسةAkiyoshiWada استهدف في المقام الأول بحوث تركيب وبناء البروتينات باستخدامnuclearmagneticresonance. كما لقي نبات الأرز في اليابان اهتماما كبيرا في البحوث البيوتكنولوجية التي استهدفت إنتاج أرز يتحمل ظروف الصقيعchill والجفافdrought. كما قامت دولا نامية أخري مثل المكسيك والصين وكوبا وكينيا وزيمبابوي ونيجيريا وجنوب أفريقيا بتطبيقات ناجحة في مجال التكنولوجيا الحيوية. ويستلزم دخول مجال البيوتكنولوجي في مصر تنفيذ سياسات تعليمية متقدمة يتحقق فيها للفرد التعلم وفقا لمعايير العصر, كما أن دخول مجال البيوتكنولوجي يستلزم توفير التمويل وإنشاء علاقات علمية وتسويقية مع المؤسسات الدولية ذات العلاقة. كما أسجل هنا أهمية التواصل مع المعلومات البيولوجية علي شبكة الكمبيوتر, وهو ما يعرف باسمBioinformatics في كل ما يتصل ببحوث التكنولوجيا الحيوية وتطبيقاتها. وغني عن القول بأن الأمر في مصر يحتاج إلي دعم الكليات العملية بالمعامل متميزة التجهيز بالمعدات اللازمة بشكل يحقق للطالب أن يتعامل بيديه مع الأجهزة العلمية الحديثة المتوفر آليات صيانتها, مع حظر الاكتفاء بتنظير المقررات التكنولوجية. كما أن هناك حاجة ماسة إلي دعم وتكثيف البعثات والمهمات العلمية في مجال التكنولوجيا الحيوية إلي الدول المتقدمة, فبدون هذا التواصل لن نستطيع أن نحقق تطلعاتنا. وفضلا علي أن تطبيق التكنولوجيا الحيوية هو في الأساس سياسة دولة, فإن نجاح المؤسسات ذات العلاقة بالتكنولوجيا الحيوية يرتبط إلي حد كبير بمن يتولون إدارة هذه المؤسسات, شأنها في ذلك شأن المؤسسات الأخري. وفي هذا الإطار أري أن يحرص كل رئيس عمل أيا كان موقعه علي استهداف أمور ثلاثة: أن يعمل علي تسيير دولاب العمل في إطار من الجودة وسرعة الإنجاز ودقة القول والفعل. أن يرتقي بموقع عمله إلي مستويات أفضل, وأن يشمل ذلك رفع مستوي الفكر والأداء للقوي البشرية إلي آفاق أرحب, وكذلك الارتقاء بالمعدات والمنشآت. إعداد وصقل خبرات من سيتولي بعده مسؤولية رئاسة الموقع بحيث لا يجد صعوبات تتعلق بمحدودية الخبرة الإدارية عندما يتولي رئاسة الموقع. وفي هذا المجال تقدم التكنولوجيا بصفة عامة مثالا فريدا للعلاقة بين البحث والتطوير فيما يعرف باسمResearch&Development(R&D). وفي الختلم نذكر مقولة الفيلسوف الإنجليزي' فرنسيس بيكونFrancisBacon'(16261561) التي قال بها في بدايات الثورة العلمية من أن' المعرفة هي القوة' تثبت نفسها في عصرنا. لمزيد من مقالات د.منير على الجنزورى