لم أدر بمدي اقتراب خطوات الموت من المريض في بلادنا إلا حين اقترب واكتنف المرض أقرب البشر الي قلبي وأسرتي الصغيرة. الفشل الكلوي.. مرض لا علاج له لكي يستمر الانسان علي قيد الحياة, إلا أن يمتلك مالا يؤهله لشراء سنوات اضافية لحياته عن طريق( غسل الكلي) وهي تجربة من أقصي التجارب, حين يري المرء دم عزيز لديه ينسحب من جسده كلية في أنبوب رفيع, يدور في جهاز أصم لا قلب له يدور فيه الدم امام ناظريه ويندفع من أنبوب آخر ليدخل الجسم. وفي خلال تلك العملية التي تستغرق أربع ساعات يصدر الجهاز أصواتا تشبه صفارة النجدة, فيهرع الطبيب او أحد أعضاء التمريض ليضغط زرارا او أكثر في الجهاز الذي يرمز بذلك لخلل حدث في عملية الغسل.. قد يذهب المريض في اغماءة في اثناء الغسل وقد تسيل الدماء نتيجة اتساع الثقب في ذراع المريض( الشنت) الذي يوصل بين الشريان والوريد ليسحب منه الدم. وغالبا يرتفع الضغط وقد تفاجأ بحركة في الغرفة الملاصقة لك لتعرف أن الله قد رحم ساكنها من آلامه ومن فاتورة الغسل التي تبلغ آلافا من الجنيهات شهريا وبقدر ما يطبعه ذلك من ألم علي جيران المريض, بقدر ما قد يتمني أحدهم أو أكثر أن يلحق به ليرتاح من فتحات في الرقبة تتدلي منها فلاتر للغسل وأخري في الذراع التي تورمت من كثرة سحب الدم منها. عرفت أيضا أنها مأساة ملايين المرضي في مصر يلجأ حوالي95% منهم الي مستشفيات التأمين الصحي التي يقول الأطباء العاملون ببعضها: إنها تغسل الفلاتر وتعيد استخدامها ثانية, وحين أراد عزيز لدي أن يلتحق بركب التأمين الصحي ليوفر لنا مبلغ1500 جنيه كل أسبوع ولما أبيت لأن البشر أغلي من المال, قام بسؤال طبيب مصري عالمي فأجابه: أنا أعذرك لكن اذا كنت مستعدا لأن تأخذ( لطشة) فيروس الصفراء وطبعا( فيروس سي), اذهب للتأمين الصحي. أعاني مع من يعانون من رقاد أقرب الناس الي.. أرقب الدم يخرج دافئا مدة أربع ساعات أتحسسه بأصابعي وأرقب الحياة تتسرب لتعود. وخوفي دائما أنها قد لا تعود. فاذا عرفنا أن مريض الفشل الكلوي يحتاج الي طعام معين لأن الأنيميا هي أول ما يصاب به حتي إن حقنة الهيموجلوبين التي يحتاج إليها عدة مرات في الشهر تبلغ قيمة الواحدة منها600 جنيه! وماء نظيف وتحاليل مستمرة, عرفنا أنه يخلق عالما جديدا مؤلما مزمنا لمن كتب عليهم أن يحيوه. يكفي أن تصبح حياته معلقة دائما بماكينة الغسل. اللهم إنا ضعافا فاجعل امتحانك لنا يسيرا. لمزيد من مقالات شيرين المنيري