الإخوان المسلمون:' هيئة إسلامية جامعة, تحمل مشروع اليقظة في العالم الإسلامي كله', هذه هي فكرة جماعة الإخوان كما وردت في موقعها الرقمي الرسمي. الفكرة خطيرة, غير أنها برأيي لم تحظ بالدراسة الكافية من جانب باحثينا, عكس الحال مع باحثي الغرب, فجامعات الغرب تذخر بدراسات أكاديمية, لا تترك صغيرة وكبيرة في الجماعة إلا وأحصتها! الناس عندنا حتي مفكرينا وباحثينا مشغولون بالأحداث اليومية والسلوكيات الإخوانية, فتجدهم إما كاره لها كراهية التحريم, وإما محب لها مدافع عنها بالحق والباطل. والنتيجة الحتمية ما نراه, خاصة علي الفضائيات والمواقع الرقمية من عراك الديوك, وهو مشهد كاشف للعجلة والمصلحية, علي خلاف ما يعتقد. من يرد الفهم يبحث عن' الفكرة التأسيسية' لجماعة الإخوان المسلمين والتي تحتاج لدراسة مكثفة وعميقة, وما أحاوله هنا- مجرد- إطلالة سريعة في شعاب الفكرة, علي أمل تطوير لاحق, والتنبيه لخطورة الفكرة. ماذا أرد حسن البنا بجماعته؟ سؤال تفتح الإجابة عليه أروقة النقاش. الثابت هو أن الراحل حسن البنا درس تجربة النبي محمد وكيف نجح في خلق نواة صلبة لمجتمع جديد, سرعان ما زاد عدد أفراده علي نحو مذهل, وتوسع ليضم أراض وشعوب خارج شبه الجزيرة العربية. وجد البنا في عبقريته دعما لحلمه وسعيه النبيل للملمة حبات عقد الخلافة المنفرط. السؤال اللاحق: هل انتبه البنا لاختلاف ظروف التجربتين, أعني النبوية والاخوانية؟ بدأ النبي محمد عملية بناء المجتمع الإسلامي من نقطة الصفر, حيث لم يكن له وجود قبلي, أما البنا فقد سعي ليس للبدأ من نقطة الصفر, وإنما لإيقاظ المجتمع الاسلامي القائم ولملمة حبات عقده المنفرط, فقد تزامنت جهود البنا مع انهيار الخلافة الاسلامية واقتسام الغربيين لأراضيها الشاسعة. أهداف إخوانية نبيلة لا خلاف, لكن المأزق هو عدم مراعاة البنا لاختلاف ظروف تجربته. بدا ذلك واضحا في محاكاته للتجربة النبوية وتجاهله لما سينشأ لاحقا من إزدواجية. حدث هذا بالفعل, إذ سرعان ما بدأت المناوشات ثم الصدام الصريح بين المجتمعين, الإخواني الوليد وكيانات المجتمع القائم/ القديم. رحل حسن البنا ولم يجد أو بمعني أصح لم يمهله الزمن لعلاج هذه المعضلة, معضلة تحول المجتمع الاخواني الوليد لمجتمع' مواز'.. التطورات اللاحقة ساهمت في تعقيد الأمر, وليس التخفيف من حدته. فقد أعقب إغتيال حسن البنا خضوع العالم الاسلامي, بما فيه منطقتنا, لأنظمة عسكرية وملكيات مستبدة, عملت ولاتزال- علي تجييش المجتمع القائم بقوة ضد مجتمع الاخوان' المواز'. أسفر ذلك عن: ,1] نزوع المجتمع الاخواني للتقوقع علي الذات وسعيه لبلوغ الاكتفاء الذاتي, حتي يستطيع الصمود, فعناصره أو معظمها- مضطهدة ومحرومة من الالتحاق بالمؤسسات الرسمية. ,2] سعي المجتمع الاخواني لاكتساب حاضنة شعبية, علي حساب أمور كثيرة, لعل أخطرها تجاهله لجاهلية أخلاقية يحياها المجتمع القائم, بل وربما تورط المجتمع الإخواني بوعي أو بلا وعي- في تقديم الغطاء الشرعي لها, من خلال إفراط رموزه وحلفائه- من الدعاة والوعاظ في إشاعة أن الظاهر كفيل بإصلاح الباطن, وإلا فكيف نفسر التدين( الظاهري) الشديد والانحطاط الأخلاقي. ,3] افتقاد المجتمع الاخواني لقوته كقاطرة أريد لها إيقاظ المجتمع وإحياء همم أبنائه الساقطة, فحظ المجتمع الإخواني من الابداع والخلق, قد لا يجاوز الصفر بقليل. بعد هجمات11 سبتمبر تخلي الغربيون عن الأنظمة القائمة وأبدوا عدم ممانعة بل وربما أيدوا وصول الإسلاميين إلي الحكم. جماعة الإخوان المسلمين هي الأعرق بين حركات الإسلام السياسي, ومن ثم يأتي صعودها الرسمي وبالتبعية صعود الاسلام السياسي منطقيا إلي حد كبير. فهم بحق الوجه ربما الوحيد الحي لحضارتنا, بفضل حماقة العسكر وقصر نظرهم. أوصل الصعود الرسمي لجماعة الاخوان ومن ورائها بقية حركات الاسلام السياسي أوضاع مجتمعاتنا لحافة الهاوية! فنذر الحرب الأهلية في كل مكان. أو بعبارة أخري: كيانات المجتمع القائم/ القديم في مواجهة المجتمع الاخواني' المواز'. المجتمعان ضعيفان, ومن هنا تصنع المحددات الدولية والاقليمية الفارق, وهي بوضوح في صالح صعود الإسلام السياسي. الاسلاميون وغيرهم من المفكرين غير الاسلاميين عليهم واجب الترفع عن تفاصيل الأحداث اليومية, ومناقشة كيفية صياغة قواعد جديدة داخلية للعبة في مجتمعاتنا ما بعد دولة العسكر, فنحن أبناء حضارة واحدة. ونجاح الاسلاميين إن هو حصل, رغم تضاؤل فرصه نجاح لحضارتنا العريقة. لنناقش كيفية مساعدة المجتمع الاخواني' المواز', علي الخروج من قوقعته, فلم يعد ثمة حاجة للتقوقع, ولنناقش التداعيات المحتملة لهكذا بنية إخوانية داخلية علي السلطة في بلادنا, فروابط القرابة والمصالح المشتركة والمشترك الأيديولوجي, لن تكون مفيدة للجماعة ولا لمجتمعاتنا ونزاهة الحكم فيها, كما كنت مفيدة للجماعة في أزمنة الاضطهاد.. لنناقش محنة الجاهلية الأخلاقية في مجتمعاتنا وكيفية الخروج منها, خاصة وأنها علي ما يبدو تسللت إلي حركات الاسلام السياسي نفسها, وهو ما يستلزم تطعيم حضارتنا بطرائق جديدة للتفكير, في مقدمتها التفكير الفلسفي. لنفتح رئات جديدة في صدر حضارتنا المخنوق. لمزيد من مقالات بقلم : حازم خيري