تكمن جذور السخط في حالة الفقر, فمتوسط دخل الفرد في مصر لايتعدي12% من مثيله الامريكي كما تعيش نسبة20% من المواطنين في عوز شديد, فما هي القيود التي تحول دون رخاء المصريين ؟ وهل يمكن استئصال الفقر ؟ لقد قامت ثورة يناير2011 ضد فساد الحكم ولعدم كفاءته في توفير الخدمات العامة ولافتقاده المساواة في الفرص, وثار الشباب في مواجهة مناخ اجتماعي واقتصادي قاهر لمواهبهم وطموحاتهم وابداعاتهم. ولقد صارت الدول المتقدمة غنية بسبب نجاحها في بناء مؤسسات مجتمع توزع من خلالها السلطة السياسية أفقيا وتتكافأ عبرها الفرص الاقتصادية وتحاسب فيها الحكومة علي قدرتها في الاستجابة لحاجات المواطنين, ومصر شاهدت ثورات في الماضي إلا انها لم تغير من أوضاع الفقر كثيرا حيث انتقل زمام الحكم الي قادة جدد أعادوا تشكيل مؤسسات النظام لمصلحة نخبة جديدة رغم تعهدات بتغيير جذري يلبي طموحات الشعب, ولقد تمكن حكام مثل محمد علي وعبدالناصر اللذين احتكرا السلطة في دولة مركزية ان يحققا قدرا من طفرة النمو غير أن النمو في ظل مؤسسات سلطوية يختلف عن النمو الذي تاتي به مؤسسات ديمقراطية, فالقرن التاسع عشر شاهد تحديثا مؤسسيا الا ان محمد علي ادار البلد كملكية خاصة له ومنح الحماية والرعاية والاكراميات للمحاسيب وتعامل بقسوة مع من لايدين له بالولاء وامتد ذلك الي سلالته الحاكمة حتي الاحتلال الانجليزي في عام1882 والذي استغل بدوره المؤسسة السلطوية لدولة محمد علي وأبقي عليها وطورها بهدف استخلاص خيرات البلد لمصلحته, واستمر الوضع المؤسسي للدولة المصرية والذي يعمل لمصلحة فئة بعينها بعد ثورة1919 رغم إصدار الدستور واجراء انتخابات برلمانية, فجاءت ثورة يوليو1952 لتضع في صدر مبادئها القضاء علي الاقطاع وسيطرة رأس المال علي الحكم لتنزع بذلك امتيازات النخبة التي هيمنت علي المستويين الاقتصادي والسياسي في الفترة ما بين الثورتين. قامت ثورة يوليو بترسيخ مركزية السلطة في أيدي نخبتها الجديدة وفشلت نتيجة لذلك في تحقيق مبدئها السادس إلا وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة, وفي ظل هذا الاطار المؤسسي السلطوي للدولة برزت نخبة برجوازية جديدة ولدت في حضن اشتراكية الستينيات لتستأثر بالسلطة والمال في عصر انفتاح السادات, ثم لتأتي فئة اخري تستحوذ علي مقادير السلطة والثروة ايضا في التسعينيات والالفية الجديدة مستفيدة من الاصلاح الاقتصادي والخصخصة وتحرير الاسواق, واما حكم الاخوان والذي أراد محاربة الدولة العميقة لعصر مبارك فلم يكن هدفه الا الحفاظ علي مؤسسات السلطة الاقتصادية والسياسية نفسها مع استبدال الفئة المستغلة السابقة بنخبته في السياسة والمال, فثار الشعب مرة أخري في الثلاثين من يونيو.2013 هذه هي الدائرة الخبيثة للفقر ولب المشكلة الحقيقي, والمطلوب هو التحول نحو مؤسسات جامعة وليست مستخلصة حيث ان عجز مصر عن تحقيق الرخاء يعود بدرجة كبيرة لتاريخها المؤسسي, ولكن ما هي المؤسسات الجامعة التي تعمل لمصلحة الجميع وماهي المؤسسات المستخلصة أي المستغلة لمصلحة فئة محدودة من المجتمع ؟ تناولت دراسة بحثية صدرت في2013- واستغرقت خمسة عشر عاما تحت عنوان لماذا تفشل الامم اشكالية التنمية في دول العالم وتوصلت الي استنتاج حاسم بأن طبيعة المؤسسات سواء جامعة أو مستخلصة- هي المحدد الرئيسي في فقر ورخاء الدول, فكل الدول الفقيرة وبصرف النظر عن فروق التاريخ والجغرافيا واللغة والثقافة والمناخ لها قاسم مشترك الا وهو سيطرة مؤسسات اقتصادية مستخلصة تعمل لمصلحة نخبة تزداد ثراء علي حساب المجتمع ككل وتساندها مؤسسات سياسية مستخلصة ايضا تضمن استمرارية سلطة النخبة وسيطرتها علي مقدرات البلاد, والعكس بالنسبة للدول الغنية حيث هناك مؤسسات اقتصادية جامعة تعضدها مؤسسات سياسية جامعة تتصف بالتعددية وتتواجد وتنمو في مجتمع مفتوح يزدهر فيه الاعلام المستقل- عن الدولة ورأس المال ويتحقق فيه توزيع السلطة من خلال لامركزية الحكم, وكما توصلت الدراسة ان الجهل أو العلم هما ايضا نتاج لطبيعة شكل المؤسسات. إن التعددية إذن علي كل المستويات الاقتصادية والسياسية للدولة هي حجر الزاوية لإرساء المؤسسات الجامعة والتي تطلب توزيع وانتشار السلطة بشكل واسع في المجتمع من خلال نظام للحكم المحلي يضمن مشاركة القواعد الشعبية في الرقابة وإتخاذ القرار ومن خلال مؤسسات فاعلة للمجتمع المدني وللنقابات العمالية والمهنية وللتعاونيات بأنواعها المتعددة بحيث لايسهل بعد ذلك السيطرة علي تلك المؤسسات من قبل نخبة جديدة, ولقد أدرك المصريون خلال السنوات القليلة الماضية أن إسقاط النظام لا يضمن وحده إقامة مؤسسات جامعة وان الخطر يكمن في إعادة تدوير المؤسسات القديمة لمصلحة نخبة مستغلة جديدة; هذا هو التفسير المؤسسي للفقر في مصر واسباب عدم تحقق الرخاء. لمزيد من مقالات شريف دولار