أكدت دار الإفتاء المصرية, أن العلم رمز للوطن وعلامة للدولة, وكان معروفا عند العرب قبل الإسلام لاسيما في الحروب, وأن النبي صلي الله عليه وسلم, اتخذ الرايات والألوية والأعلام, وروي ابن عباس, رضي الله عنهما, أن راية النبي, صلي الله عليه وسلم, كانت سوداء ولواؤه أبيض, وكان في غزواته يدفع إلي رأس كل قبيلة لواء يقاتلون تحته, وأنه للدلالة الرمزية للأعلام والرايات فإنه قد جرت العادة بأن يعمد العدو إلي ضرب حامل الراية وإسقاطه قبل غيره, ليثبط من عزيمة الجيش, فمتي كان العلم مرفوعا كان ذلك دالا علي العزة والقوة والصمود, ومتي نكس وسقط كان ذلك دالا علي الهزيمة والذل والانكسار, وفي المقابل كان يحرص حامله علي إبقائه مرفوعا, ولو بذل في سبيل ذلك نفسه وروحه, لا لخصوص تعظيم القماش, بل لما يرمز إليه, قال النبي, صلي الله عليه وسلم: أخذ الراية زيد فأصيب- يعني: في غزوة مؤتة-, ثم أخذها جعفر فأصيب, ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب- وإن عيني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لتذرفان- ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له. وقال: يا أيها الناس, إن جعفرا مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله من يديه سلم علي فلذلك سمي الطيار في الجنة. وأكدت دار الإفتاء أن تحية العلم بنحو الإشارة باليد بهيئة معينة, أو الهتاف بالدعاء عند رفعه بأن تحيا البلاد, هو من قبيل الحركة أو الكلام ومن العادات. والأصل فيه الإباحة, ما لم يرد دليل علي المنع, قال تعالي: وقد فصل لكم ما حرم عليكم, وروي الترمذي عن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم, قال: الحلال ما أحل الله في كتابه, والحرام ما حرم الله في كتابه, وما سكت عنه فهو مما عفا عنه. وأوضحت دار الإفتاء, في فتوي رسمية, إن هذه الممارسات والأفعال هي مما ارتبط عند الناس بحب الأوطان, وتواضعوا علي دلالتها علي ذلك, فصارت بذلك وسيلة عامة للتعبير عن حب الأوطان وإظهار الانتماء وتأكيد الولاء, وأن السلام الوطني الشأن فيه هو الشأن في العلم, من حيث كون كل منهما رمزا, والوقوف عند عزفه ليس المراد منه إلا إظهار الاحترام والتقدير والإكرام لما يمثله, وهو الوطن. وتحية العلم المعهودة أو الوقوف للسلام الوطني أمران جائزان لا كراهة فيهما ولا حرمة, فإذا كان ذلك في المحافل العامة التي يعد فيها القيام بذلك علامة علي الاحترام وتركه مشعرا بترك الاحترام, فإن الوقوف يتأكد فعله حينئذ, دفعا لأسباب النفرة والشقاق, واستعمالا لحسن الأدب ومكارم الأخلاق. وأضافت الفتوي: أن الإدعاء أن ذلك محرم شرعا, لما فيه من تعظيم, وأن التعظيم لا يجوز للمخلوق, خاصة إذا كان جمادا, فيجاب عنه بأن ذلك وإن كان فيه تعظيم, إلا أن القول إن مطلق التعظيم لا يجوز للمخلوق هو قول باطل, بل الذي لا يجوز هو ما كان علي وجه عبادة المعظم, كما كان يعظم أهل الجاهلية أوثانهم, فيعتقدون أنها آلهة وأنها تضر وتنفع من دون الله, وهذا هو الشرك. أما ما سوي ذلك مما يدل علي الاحترام والتوقير والإجلال فهو جائز, إن كان المعظم مستحقا للتعظيم, ولو كان جمادا. أما دعوي أنه من التشبه بالكفار في عاداتهم القبيحة, فلا نسلم أصلا أن ذلك من عادات الكفار المختصة بهم, بل تلك دعوي عارية عن الدليل, والمسلم الذي يحيي العلم أو يقوم للسلام الوطني الشأن فيه أنه لا يخطر بباله التشبه بغير المسلمين, فضلا عن قصده. وأما دعوي أن ذلك يعد بدعة, لأنه لم يكن في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم, ولا في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم, فنقول: سلمنا ببدعية ذلك, ولكن لا يلزم من البدعية التحريم, لأن البدعة تطرأ عليها الأحكام الشرعية الخمسة, فالبدعة ليست مرادفة للمحرم, بل البدعة مقسم والمحرم قسم.