أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية، أن تحية العلم المعهودة أو الوقوف للسلام الوطني، أمران جائزان لا كراهة فيهما ولا حرمة، كما أفتى مَن لا علمَ له، فإذا كان ذلك في المحافل العامة التي يُعد فيها القيام بذلك علامة على الاحترام وتركه مشعرًا بترك الاحترام، فإن الوقوف يتأكد؛ فيتعين فعلُه حينئذٍ؛ دفعًا لأسباب النفرة والشقاق، واستعمالا لحسن الأدب ومكارم الأخلاق. وأشار إلى أن العلم رمزًا كان معروفًا عند العرب قبل الإسلام لاسيما في الحروب، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ الرايات والألوية والأعلام، وعقد عليه المحدثون أبوابًا في كتبهم؛ فقالوا: "باب في الرايات والألوية"، وللدلالة الرمزية للأعلام والرايات فإنه قد جرت العادة بأن يعمد العدو إلى ضرب حامل الراية وإسقاطه قبل غيره؛ ليثبط من عزيمة الجيش؛ فمتى كان العَلَم مرفوعًا كان ذلك دلالة على العزة والقوة والصمود، ومتى نُكس وسقط كان ذلك دليل الهزيمة والذل والانكسار. ولفت جمعة، في معرض رده على من يحرمون تحية العلم والسلام الوطني، بدعوى أنها أمور محرمه شرعًا وتشبه بعادات الكفار، إلى أن حامل العلم كان يحرص على إبقائه مرفوعًا، ولو بذل في سبيل ذلك نفسه وروحه، لا لخصوص تعظيم القماش، بل لما يرمز إليه. وروى البخارى في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: "أخذ الراية زيد فأصيب في غزوة مؤتة، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب - وإنَّ عيني الرسو ل تذرفان - ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففُتِح له. وأوضح أن تحية العلم بنحو الإشارة باليد بهيئة معينة، أو الهتاف بالدعاء عند رفعه بأن تحيا البلاد، هو من قبيل الحركة أو الكلام، وتكرار ذلك يجعله من العادات، موضحا أن تلك الممارسات والأفعال، ارتبطت عند الناس بحب الأوطان، فصارت وسيلة عامة للتعبير عن ذلك وإظهار الانتماء وتأكيد الولاء، وقد تقرر في قواعد الشريعة أن الوسائل لها أحكام المقاصد، فإذا كان حب الوطن مِن المطلوبات الشرعية كما هو متقرر في أدلة الشريعة فإن وسيلتَه الجائزةَ في أصلها تكون كذلك مشروعة مطلوبة. وفيما يتعلق بالسلام الوطني، قال المفتى، هو عبارة عن مقطوعة موسيقية ملحنة على نشيد البلد أو الوطن تكون رمزًا للبلد أو الوطن تعزف في الحفلات العسكرية وبعض المناسبات العامة. والموسيقى صوت، حسنه حسن وقبيحه قبيح، والسلام الوطني هو شأن العلم فكل منهما رمز، والوقوف عند عزفه ليس المراد منه إلا إظهار الاحترام والتقدير والإكرام لما يمَثله، وهو حب الوطن، حتى قال بعض الفلاسفة: "فطرة الرجل معجونة بحُبِّ الوطن". ورفض جمعة، ادعاء البعض أن ذلك محرم شرعًا؛ لما فيه من تعظيم، والتعظيم لا يجوز للمخلوق، خاصة إذا كان جمادًا، مؤكدا أن الذي لا يجوز هو ما كان على وجه عبادة المعظم، كما كان يعظم أهل الجاهلية أوثانهم، فيعتقدون أنها آلهة وأنها تضر وتنفع من دون الله، وهذا هو الشرك، أما ما سوى ذلك مما يدل على الاحترام والتوقير والإجلال فهو جائز، إن كان المُعَظَّم مستحقًّا للتعظيم، ولو كان جمادًا. وألمح إلى أن القيام للعَلَمِ أو عند سماع نشيد السلام الوطني له نظير في فعل المسلمين قديمًا، فقد نص بعض العلماء على أنّ مِن حُسْنِ الأدب ما اعتاده الناس مِن القيام عند سماع توقيعات الإمام، وأخذوا مِن ذلك أولويةَ القيامِ للمصحف، وليس القيام للمصحف أو للقادم ذي الشأن إلا لإظهار الاحترام والتوقير، وتعليلات العلماء ناطقة بهذا، فلا بأس إذن من القيام عند رفع العلم أو السلام الوطني. وأضاف أن وصف البعض للقيام للعلم والسلام الوطني تشبه بالكفار، عار تماما عن الدليل، وحتى التشبه بهم لا يكون حرامًا إلا فيما يتعلق بعقائدهم وخصوصياتهم الدينية.