رغم وجود فتوي عمرها أكثر من عام صادرة من دار الإفتاء المصرية بشأن تحية العلم والسلام الوطني فقد ثار جدل شديد حول قرار الحكومة المصرية المؤقتة الأربعاء الماضي بأن إهانة العلم المصري ورفض الوقوف أثناء النشيد الوطني جريمة يعاقب عليها القانون بدأت ردود الفعل الغاضبة وخاصة من الأعضاء الإسلاميين الممثلين في لجنة الخمسين المخولة بصياغة الدستور الجديد حيث رفضوا الوقوف لحظة تكريم رجال الشرطة الذين قتلوا في الخدمة خلال محاولات فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة الشهر الماضي وما تلاها من أحداث دموية. لم يتوقف الأمر عند رفض أعضاء التيار السلفي الوقوف للنشيد الوطني لأسباب دينية حيث قال محمد إبراهيم منصور. ممثل حزب النور السلفي في لجنة صياغة الدستور: "من الأفضل الصلاة من أجل الذين قتلوا بدل الوقوف صامتين". تفجرت القضية أكثر عندما وافق مجلس الوزراء في جلسته الأسبوعية علي مشروع القانون الذي قدمه الرئيس المؤقت ¢عدلي منصور¢ والذي ينص علي أن عدم احترام النشيد الوطني جريمة تصل عقوبتها إلي السجن ستة أشهر أو غرامة تبلغ قيمتها 5 آلاف جنيه. علي الجانب الآخر رحبت بعض القوي السياسية بمشروع القانون لمعاقبة من لا يحترم النشيد .فأعرب أحمد بهاء الدين شعبان .رئيس حزب الاشتراكي المصري. عن تأييده الشديد لصدور مثل القانون لأنه من العار علي أناس ينتمون لوطن ? أيا كان هذا الوطن - لا يحترمون علمه أو نشيده الوطني الذي ترسخ وجوده عبر الأجيال بعد أن استقر عليه الوطنيون المخلصون وتعجب احمد بهاء الدين شعبان . من أن بعض المنتمين للتيار الإسلامي وقفوا احتراماً وإجلالاً للعلم الأمريكي في مقر السفارة الأمريكية بالقاهرة ولم يقفوا للمصري مما يؤكد تناقض مواقفهم وأنهم ليس لهم مبدأ . لم يكتف شعبان برصد هذا التناقض في مواقف الإسلاميين طالب علي كل من لا يحترم نشيدنا الوطني المصري بأن يغادر هذا الوطن لأن العلم المصري ليس فقط قطعة قماش. ولكنه يعبر عن وطنية وانتماء وانحياز للشعب وللأرض واستعداداً للموت من أجل الوطن وهذا الوقوف عند السلام الوطني أو تحية العلم رمز لحب وتقدير الوطن وانهي شعبان كلامه بالتأكيد أن صدور مثل هذا القانون يحمينا من أفراد ? للأسف أنهم يدعون الحديث باسم الإسلام - ولا يحترمون الأوطان يعتبرونها مكاناً للسكن وللإقامة ولا يقدرون علي أنهم قيمته كوطن يحمي كل المصريين. أساءوا للإسلام أكد أيمن عامر .المتحدث باسم ائتلاف شباب الثورة .أن قانون حماية العلم والنشيد الوطني أكثر من رائع ويعتبر ذلك القانون رداً عادلاً علي التيارات المتأسلمة التي تشكلت عقب ثورة يناير. ولم يحترموا العلم أو النشيد أو الوطن واعتبر السكوت عن ممارسات المنتمين للتيار الإسلامي وما فعلوه في زيارة إثيوبيا عندما رفضوا الوقوف للنشيد الوطني كذلك عدم وقوف أعضاء حزب النور للنشيد الوطني في البرلمان واللجنة التأسيسية هذه جريمة كبري ونأمل أن يسهم هذا القانون في القضاء علي هذه الجريمة. وطالب بالتطبيق الرادع لهذا القانون وفي أسرع وقت حتي يكون تطبيقه عبرة وتقويما لكل من يعمل علي تقسيم مصر بهذه المواقف الخبيثة وكذلك لابد من مقاومة هذه الممارسات علي المستوي الشعبي من الفنانين والمثقفين والسياسيين ورجال الدين. بعمل حوار مستمر مع التلاميذ والطلاب والمصريين في أماكن عملهم حول أهمية النشيد الوطني وقيمته حتي لا نترك أي مجال للمتأسلمين بالتلاعب في عقل المواطنين باسم الدين. دار الإفتاء تبيحه الغريب أن نفس القضية تم طرحها في سؤال الي دار الإفتاء المصرية بعد عشرة أيام فقط من تولي الدكتور محمد مرسي الرئاسة كأول رئيس منتخب لمصر حيث نص: نرجو بيان الحكم الشرعي في تحية العلم والوقوف للسلام الوطني حيث يدَّعي بعض الناس أن ذلك محرم شرعًا لما فيه من تعظيم. والتعظيم لا يجوز للمخلوق. خاصة إذا كان جمادًا لأنه حينئذ يكون شركًا أو ذريعةً إلي الشرك. وكذلك هو من التشبه بالكفار في عاداتهم القبيحة. كما أنه يعتبر بدعة» لأنه لم يكن في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم. ولا في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم. پأجابت أمانة الفتوي بدار الإفتاء : العَلَم له عدة معاني في اللغة منها: الفصل بَين الْأَرضينِ. والشيء المنصوب في الطريق يُهتدي به .والمراد منه هنا: هو خصوص الراية التي هي الآن رمزى للوطن وعلامةى للدولة. واعتبار العلم رمزًا كان معروفًا عند العرب قبل الإسلام. لا سيما في الحروب. وقد تضمن الشعر الجاهلي ذكر الرايات والأعلام والألوية.. عن ابن عباس قال: "كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ -صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- سَوْدَاءَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ" وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : ¢كان النبي -صلي الله عليه وآله وسلم- في مغازيه يدفع إلي رأس كل قبيلة لواءً يقاتلون تحته¢ . وللدلالة الرمزية للأعلام والرايات فإنه قد جرت العادة بأن يعمد العدو إلي ضرب حامل الراية وإسقاطه قبل غيره ليثبط من عزيمة الجيش. فمتي كان العَلَم مرفوعًا كان ذلك دالًّا علي العزة والقوة والصمود. ومتي نُكِّس وسقط كان ذلك دالًّا علي الهزيمة والذل والانكسار. وفي المقابل كان يحرص حامله علي إبقائه مرفوعًا ولو بذل في سبيل ذلك نفسَه وروحَه. لا لخصوص تعظيم القماش. بل لما يرمز إليه وهناك نصوص شرعية كثيرة تؤكد ذلك . أضافت دار الإفتاء :أن تحية العلم بنحو الإشارة باليد بهيئة معينة. أو الهتاف بالدعاء عند رفعه بأن تحيا البلاد. هو من قبيل الحركة أو الكلام. وإلف ذلك وتكراره -كما هو الحاصل- يجعله من العادات إذ العادة هي اسم لتكرير الفعل والانفعال حتي يصير سهلا تعاطيه كالطبع. ولذلك قيل: ¢العادة طبيعة ثانية¢ والأصلُ فيما كان كذلك الإباحةُ. ما لم يرد دليل علي المنع. قال تعالي: "وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الأنعام : 119 وقال رسول الله -صلي الله عليه وآله وسلم"الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ. وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ. وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ". ثم إن هذه الممارساتِ والأفعالَ هي مما ارتبط عند الناس بحب الأوطان. وتواضعوا علي دلالتها علي ذلك. فصارت بذلك وسيلةً عامةً للتعبير عن حب الأوطان وإظهار الانتماء وتأكيد الولاء. وقد تقرَّر في قواعد الشريعة أن الوسائل لها أحكام المقاصد. فإذا كان حب الوطن من المطلوبات الشرعية كما هو متقرر في أدلة الشريعة. فإن وسيلتَه الجائزةَ في أصلها تكون كذلك مشروعةً مطلوبةً. ويتأكد ذلك إذا كان عدمُ القيام أمارةً عند الناس علي عدم الاحترام. أشارت دار الإفتاء الي أن السلام الوطني فهو عبارةى عن مقطوعةي موسيقيةي ملحنةي علي نشيد البلد أو الوطن تكون رمزًا للبلد أو الوطن تعزف في الحفلات العسكرية وبعض المناسبات العامة. والمختار أن الموسيقي من حيث هي لا حرمة في سماعها أو عزفها. فهي صوت حسنه حسن وقبيحه قبيح. وما ورد في تحريمها: صحيحه غير صريح. وصريحه غير صحيح. وعدم التحريم هو المنقولُ عن العديد من الصحابة والتابعين وأكثر فقهاء المدينة ولما سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن الآلات كلها قال: ¢مباح¢ والسلامُ الوطنيُّ الشأنُ فيه هو الشأنُ في العلم من حيث كون كل منهما رمزًا. والوقوف عند عزفه ليس المراد منه إلا إظهار الاحترام والتقدير والإكرام لما يُمَثِّلُه. وهو الوطن. وحب الوطن أمر قد جُبِل عليه الإنسان. حتي قال بعضُ الفلاسفة: ¢فطرة الرجل معجونة بحُبِّ الوطن¢. وهناك احاديث كثيرة تؤكد مشروعية حب الوطن والحنين إليه والتعبير عن هذا الحب الوارد في الحديث له دوالُّ ومظاهرُ منها ما يكون بالأقوال ومنها ما يكون بالأفعال پوالأصل في ذلك كله الإباحة حتي يَرِدَ الدليل الناقل عنها. ومن جملة الأفعال المعبرة عن الحب القيامُ لرمز الوطن وعلامته وشعاره. وهو العلم أو السلام الوطني. فالمحب يتعلق ويعتني بكل ما له صلةى بمحبوبه. ولا يُذَمُّ مِن ذلك إلا ما ذمَّه الشرع بخصوصه. پأما دعوي أن ذلك محرَّم شرعًا لما فيه من تعظيم. والتعظيم لا يجوز للمخلوق. خاصة إذا كان جمادًا. فيجاب عنه بأن ذلك وإن كان فيه تعظيم. إلا أن القول بأن مطلق التعظيم لا يجوز للمخلوق هو قول باطل. بل الذي لا يجوز هو ما كان علي وجه عبادة المعظم. كما كان يعظم أهلُ الجاهلية أوثانَهم. فيعتقدون أنها آلهةى وأنها تضرُّ وتنفع من دون الله. وهذا هو الشرك. أما ما سوي ذلك مما يدل علي الاحترام والتوقير والإجلال فهو جائز. إن كان المُعَظَّمُ مستحقًّا للتعظيم ولو كان جمادًا. انهت دار الافتاء فتواها قائلة :لا بأس إذن من القيام عند رفع العلم أو السلام الوطني إذ العلة واحدةى. أما دعوي أنه من التشبه بالكفار في عاداتهم القبيحة. فلا نسلم أصلا أن ذلك من عادات الكفار المختصة بهم. بل تلك دعوي عارية عن الدليل. ولو صحت لقلنا: لم يصر ذلك مختصًّا بهم الآن. بل صار عادةً دخلت بلاد المسلمين وتواطؤا عليها حتي تُنُوسِيَ أَصلُها. فصارت من باب قاعدة: ¢يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء¢ ولو كان تشبهًا بهم. فمجرد التشبه لا يكون حرامًا إلا فيما يتعلق بعقائدهم وخصوصياتهم الدينية. وقد وردت أدلةى كثيرةى علي هذا.أما دعوي أن ذلك يُعَدُّ بدعةً لأنه لم يكن في عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. ولا في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم. فنقول: سلمنا ببدعية ذلك. ولكن لا يلزم من البدعية التحريمُ لأن البدعة تطرأ عليها الأحكامُ الشرعيةُ الخمسةُ. فالبدعة ليست مرادفةً للمُحَرَّم. بل البدعة قسم والمُحَرَّم قسم. وهي منقسمة إلي: بدعة واجبة, وبدعة محرمة, وبدعة مندوبة, وبدعة مكروهة, وبدعة مباحة, والطريق في معرفة ذلك أن تُعْرَض البدعةُ علي قواعد الشريعة. فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبةى, وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمةى. وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبةى, وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهةى, وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحةى. وللبدع الواجبة أمثلة. أحدها الاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلامُ الله وكلامُ رسوله صلي الله عليه وسلم, وذلك واجب لأن حفظَ الشريعة واجب. ولا يتأتي حفظُها إلا بمعرفة ذلك, وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب... وللبدع المحرمة أمثلة. منها:... مذهب المجسمة, والرد علي هؤلاء من البدع الواجبة. وللبدع المندوبة أمثلة. منها:... صلاة التراويح... وللبدع المكروهة أمثلة. منها:... تزويق المصاحف. وللبدع المباحة أمثلة. منها: المصافحة عقيب الصبح والعصر¢. ولمسألتنا شبيه ونظير وهو مسألة تقبيل الخبز علي وجه إكرام النعمة. والجامع بين هذه وتلك هو إرادة الإكرام في كليّ دونَ نظر إلي المُكرَم بالذات. بل لما يمثله .فإذا تقرَّر مما سبق أن المسئول عنه جائز شرعًا في أصله. وحقيقة الجائز أنه مأذون في فعله أو تركه. ثم لَمَّا تواضع الناس وتعارفوا علي كونه دالًّا علي احترام الوطن وتعبيرًا عن الانتماء ووسيلة لإظهار ذلك في الشأن الوطني والعلاقات بين الدول. صار حكمُه حكمَ مدلولِه ومقصدِه. فإذا انضاف إلي ذلك أن تركه يشعر بالاستهانة أو قلة الاحترام ويفضي إلي الخصام والشحناء وشق الصف والتراشق بالتهم بين أبناء الوطن أو المواقف المضادة في العلاقات الدولية. فإنه يتعين حينئذ الإعراض عن تركه» اتقاءً لهذه المحاذير وعليه: فإن تحيةَ العَلَمِ المعهودةَ أو الوقوفَ للسلام الوطني أمران جائزان لا كراهةَ فيهما ولا حرمة كما شغَّب به مَن لا علمَ له. فإذا كان ذلك في المحافل العامة التي يُعَدُّ فيها القيام بذلك علامةً علي الاحترام وتركه مشعرًا بترك الاحترام. فإن الوقوف يتأكَّد. فيتعيَّن فعلُه حينئذي» دفعًا لأسباب النفرة والشقاق. واستعمالا لحسن الأدب ومكارم الأخلاق.