ما هذا الطمع الذي أصاب النساء.. ألا يرضين عن كل ما قدمه لهن الرجال, لقد تركنهن علي قيد الحياة ولم يدفنهن أحياء عند الميلاد, ليصل تعدادهن إلي ما يقرب من نصف المجتمع؟ ألا يكفيهن ما من به الرجال عليهن عندما سمحن لهن أن ينلن شرف خدمتهم وإمتاعهم ورعاية أبنائهم وإعالة ثلث الأسر التي عجزوا هم- أي الرجال- عن إعالتهم؟ ألا يكفيهن شرف احتماء الرجال بهن في المظاهرات؟ ألا يكفيهن السماح لخمس سيدات بالمشاركة في لجنة صياغة الدستور المكونة من خمسين عضوا؟ ألا يكفيهن شرف مشاركتهن في الانتخابات بالتصويت لصالح الرجال ليصلوا إلي مقاعد البرلمان والمجالس المحلية؟! لقد وصل الطمع بالنساء إلي درجة لم يقبلها الرجال, فقد طالبن ب العدل.. بتمثيل عادل يتناسب مع تعدادهن ومع ما يضمن حقوقهن وحقوق أسرهن وصالح مجتمعهن!! هذه هي المرأة كما يراها الرجال.. هي الحقيقة التي لم يتمكنوا من إخفائها وكشفت عنها الصياغة التي تعدها لجنة الخمسين لصياغة الدستور والتي أظهرت الوجه الحقيقي لمجتمع ذكوري يقف بالمرصاد لكل محاولة لإنصاف المرأة وحصولها علي حقوقها, مرة باسم الدين ومرات بمبررات أخري.. لقد وحدت النساء صفوفهن وبلورن موقفهن وطرحن رؤيتهن من خلال عدة جلسات استماع- بتنسيق وتعاون مع المجلس القومي للمرأة- قبل البدء في أعمال لجنة الخمسين, وقدمن مقترحاتهن التي لا تتعلق بالمرأة فقط بل بكل ما يخص قضايا المجتمع في مجالات الصحة والتعليم والعمل.. وغيرها, ركزن علي الحقوق.. علي المواطنة, وجاءتهن الردود مبشرة وواعدة, وظللن يتابعن ثمرة جهودهن في كل ما يصدر عن لجنة الخمسين. ولكن صدمتهن كانت كبيرة عندما فوجئن بتعديل نص المادة11 ليصبح( أن تعمل الدولة علي اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل مناسب ومتوازن للمرأة في سلطاتها الثلاث وينظم ذلك وفقا للقانون) وإغفال المادة لجميع المقترحات التي تقدم بها المجلس القومي للمرأة( والتي تعكس رؤية المنظمات النسوية أيضا) وتطالب بالنص علي التزام الدولة بتحقيق التمثيل العادل للمرأة في المجالس النيابية. ثارت النساء ونظمت المنظمات النسوية والجمعيات الأهلية المعنية بالمرأة في الأسبوع الماضي وقفة احتجاجية أمام مجلس الشوري لإعلان الرفض الصريح لنص المادة11 من الدستور بصيغتها الحالية وإضعافها لحقوق المرأة, وتحفظ الجمعيات الأهلية علي إغفال المادة للمطالبة بالنص علي تخصيص كوتا للمرأة في المجالس النيابية أو البدائل الأخري المطروحة لتطبيق الكوتا مثل الالتزام بألا تزيد عضوية أي من الجنسين في المجالس النيابية علي الثلثين, وطالبت المشاركات في الوقفة الاحتجاجية الالتقاء بالسيد عمرو موسي رئيس لجنة الخمسين لعرض ورقة المطالب الخاصة بهن فوافق علي لقاء خمس منهن ممثلات للجمعيات الأهلية, وبالفعل التقي بكل من د.عزة كامل ود.فادية مغيث ومني منير وداليا الأسود وأميرة عبد الحكيم, بحضور د.جابر نصار مقرر اللجنة والسفيرة ميرفت تلاوي عضو لجنة الخمسين ورئيس المجلس القومي للمرأة, وتم طرح رؤية الجمعيات بشأن ضرورة إقرار الكوتا كي تتمكن السيدات من المشاركة بفاعلية في الحياة السياسية بصورة تتناسب مع إسهامهن في بناء المجتمع, وعقب السيد عمرو موسي بأن هذا المطلب صعب تحقيقه في ظل عدم الاستجابة لرغبات الفئات الأخري في المجتمع التي طالبت بكوتا لها.. وهنا طالبت ممثلات الجمعيات الأهلية بأن تنص المواد الانتقالية بالدستور علي كوتا للمرأة لدورتين برلمانيتين فقط بمعدل مقعدين للمرأة بكل محافظة, ووعد رئيس اللجنة بالنظر في المطلب. فهل تتم الاستجابة لمطالب المرأة؟ وما هو موقف النساء في حالة إصرار اللجنة علي صياغة المادة11 بنصها الحالي أو عدم وضع بدائل ترضي طموح المرأة في الحصول علي حقوقها؟ السفيرة مرفت تلاوي رئيس المجلس القومي للمرأة وعضو لجنة الخمسين التي تضغط بكل قوتها وأكثر داخل اللجنة لضمان حقوق النساء, غير متفائلة- رغم الانفراجة التي حدثت بشأن نصيب المرأة في المحليات-وتخشي ألا تحصل المرأة علي الكوتا التي تطالب بها, وتوضح قائلة: الكوتا التي نطالب بها ليست بدعة وليست من اختراعنا بل هي مطبقة في102 دولة, ومعناها تمييز إيجابي لفئة استضعفت واضطهدت دون ذنب لأسباب تاريخية معروفة, ورفع الظلم والاضطهاد مسئولية الدولة وفرصتها في نص دستوري, ونحن داخل لجنة الخمسين نضغط للوصول إلي نص يضمن تمييز عادل للمرأة ولكن الجو العام سواء ديني أو ليبرالي معاد للمرأة, وقد اقترحوا استبدال عادل بتمثيل مناسب, ومازلا لدينا أمل في أن نتوصل لصيغة تضمن للمرأة حقها. لقد اقترح المجلس القومي للمرأة النص علي: مساواة المرأة والرجل في الحقوق الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية و أن تلتزم الدولة بتمثيل عادل ومتوازن للمرأة في المجالس النيابية والمحلية المنتخبة وأن يعظم القانون هذا ومنع العنف ضد المرأة وأن تلتزم الدولة بما يضمن توفيق المرأة بين التزاماتها في البيت والعمل وأن تقوم الدولة برعاية الأمومة والطفولة وتساعد المرأة المعيلة الفقيرة الأكثر احتياجا. وبالنسبة للفقرة الخاصة بتمثيل عادل, اقترحنا ألا تزيد نسبة تمثيل جنس واحد علي الثلثين, ونتمسك بضرورة النص علي ذلك, ولكن للأسف كل المؤشرات توحي بعدم الاستجابة, ونحن مستمرون في الضغط لتحقيق هذه المطلب وأملنا إذا لم يتحقق أن تساعد الدولة في حصول المرأة علي ربع المقاعد علي الأقل وإلزام الأحزاب بتخصيص ثلث المقاعد في قوائمها للمرأة وإلا اعتبرت القائمة لاغية, أو تخصيص دائرتين في كل محافظة توضع فيهما سيدتيان بما يحقق حصول النساء علي64 مقعدا. د.هدي بدران رئيس مجلس إدارة الاتحاد النوعي لنساء مصر طالبت لجنة الخمسين في أعمالها بالتصحيح ل التمثيل العادل للمرأة وليس المناسب حتي لا تصبح مصر مرة أخري محل انتقادات شديدة من العالم الخارجي, وجاء ذلك في إطار رفضها لنتائج الدراسة التي صدرت عن طومسون رويترز ونشرتها صحيفة الاندبندنت البريطانية عن المرأة المصرية والتي تقول إن المرأة المصرية تأتي في ذيل العالم العربي في الظروف المعيشية الحالية, وأن99% من المصريات قد تعرضن للتحرش الجنسي, ووصفت د.هدي بدران المنهاج الذي تمت به الدراسة بأنه غير علمي, إلا أنها أوضحت أن الجانب الصحيح من الدراسة هو ما يتصل بتمثيل المرأة في المجلس التشريعي السابق, أي نسبة2%, وهو ما دفعها إلي مناشدة لجنة الخمسين بمراعاة النص علي تمثيلا عادلا للنساء في الدستور. د.عزة كامل, الناشطة السياسية, ومدير مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية تري أن لجنة الخمسين يجب أن تكون أكثر حكمة, ووصفت عدم الموافقة علي نص يضمن تمثيل عادل بأنه كارثة بل نكسة بالنسبة للمشاركة السياسية للمرأة. إذن.. ما الذي يمكن أن يحدث إذا لم تستجب اللجنة؟.. أجابت: نحن في الانتظار ولكن أيضا ندرس الموقف ونبحث عن بدائل وعن وسائل للضغط, فلا يمكن لدولة بحجم مصر أن يكون تمثيل المرأة بها بهذه الصورة التي تضعها في نهاية قائمة دول الشرق الأوسط بالنسبة للتمثيل البرلماني للمرأة, وإذا استمر الحال علي ما هو عليه فتلك مصيبة. تضيف: نحن في سباق مع الزمن وندرس كيفية الخروج من هذا الموقف الشائك الذي لابد من الخروج منه. دينا الأسود عضو أمانة المرأة بحزب الدستور, هي أيضا تري أنه يجب الضغط بكل الوسائل وألا نعول علي قانون الانتخابات وحده إنصاف المرأة حتي لايتم الطعن بعدم دستوريته. ومن جهة أخري تقول: وجهة نظري الشخصية أنه يكفينا تمثيل المرأة بنسبة الثلث, ولكن حتي هذا المطلب لا يوجد أي تفاؤل بقبوله, فرغم أننا كنا علي قدر من التفاؤل بأن أي منتج ستخرج به لجنة الخمسين لن يكون أسوأ مما أتت به اللجنة السابقة ولكن اكتشفنا أن معظم الرجال من كل الأحزاب وكافة التيارات يمارسون قمعا ضد المرأة, لقد اجتمعوا علي إقصائها وساقوا الحجج, قالوا لو استجبنا للمرأة فستتطالب كل فئة بكوتا, وتجاهلوا أن كل الفئات ممثلة في النساء. ما يقلق أميمة الأسود هو تلك اللافتة التي رفعتها بعض المشاركات في الوقفة الاحتجاجية وكتب عليها ياست الستات قاطعي الانتخابات والتي تخشي أن تتحول إلي واقع في الاستفتاء القادم علي الدستور.. بالتأكيد حرص نساء مصر علي تحقيق الاستقرار سيقيد خطوتهم في هذا الاتجاه ويدفعهم إلي البحث عن طريق آخر.. ربما تعاونهم علي السير فيه حكمة لجنة الخمسين.. ربما.