{ ما الناس بتحتفل بالسيسي وما حدش بيعاقبهم.. اشمعني؟! من مناقشات مجلس إدارة اتحاد الكرة قبل أيام( علي عهدة جريدة الوطن). سؤال افتراضي: كيف كان يمكن أن يكون عليه رد فعل الدولة والناس, لو أن محمد يوسف لاعب الكونج فو, وأحمد عبدالظاهر مهاجم الأهلي, فعلا العكس في نهائي البطولتين اللتين لمعا فيهما أخيرا؟ ماذا لو أنهما, وبدلا من أن يفاجئانا بالتلويح بإشارة رابعة في الهواء, رسما بأصابعهما حرفيCC أو هتفا تسلم الأيادي؟ هل كان أحد سيؤنبهما أصلا؟. انتهي السؤال, ولا أنتظر إجابة عنه من أحد, لأني أعرف مثلك أننا لن نعدم بيننا من سيسارع بالبحث عن أعذار تبرر فعلتيهما, أو يتظاهر بأنه لم ير شيئا, برغم أنه في الحالتين لا الإشادة المستحقة بالفريق أول السيسي ستضيف إلي مكانته في قلوب الملايين وتثبت أكثر حبنا له, ولا الكف الناقص إبهاما كان سيقلل من فرحتنا بالانتصارات, حتي لو تلوثت بشيء من السياسة!. ولابد أن بعضكم سيغضب مني الآن لو أنني تساءلت: ما هي تحديدا الجريمة الكبري التي ارتكبها عبدالظاهر وزميله؟ هل نحاسبهما لمجرد أنهما اختارا المكان والتوقيت الخطأ لإعلان موقفهما السياسي, أم أننا نلومهما في الحقيقة لأنهما يتبنيان هذا الموقف بالذات؟. ولهذا فإنني لا أجد مبررا للتشدد في معاقبتهما بالصورة التي رأيناها, ورأيي بصراحة أن الانسياق وراء الرغبة في التأديب والردع في كل مرة تظهر فيها علامة رابعة أمام الكاميرات, إنما يضر ولا ينفع, ويحدث بالضبط أضعاف التأثير الذي يمكن أن يأمل فيه أصحاب الأصابع أنفسهم, فضلا عن أنه يجعل اتحادات الرياضة والدولة نفسها تبدو وكأنها تتصرف بدافع الانتقام لا الحرص علي حماية تقاليد الملاعب, كما يقال لنا! وربما يجب أن تعرف من الآن أن عمليات إشهار أصابع رابعة بهذا المعدل ستبقي معنا لبعض الوقت, وسنري تباعا نماذج أخري أكثر صخبا تستخدم فيها الإشارة نفسها. وأيا كان رفضنا لكل ما يصدر عن معسكر الإخوان, فإن ذلك يجب ألا يصبح ذريعة لمصادرة حق أحد في التعبير عما يريد, مهما بدت تصرفاته سخيفة, وصبيانية, وعدائية, فضلا عن حريته في استخدام أصابعه كما يريد, بشرط واحد هو ألا تمتد بشر إلي أحد, أو تقترن حركتها بأذي يجرمه القانون مثل حماقات تعطيل الدراسة في الجامعات, والتخريب, والاعتداء علي المارة والممتلكات, وطبعا سفالات تشويه علم مصر, وتغيير كلمات نشيدها الوطني بما يعكس المدي الذي يمكن أن يذهب إليه البعض في الكفر بوطن ويثبت أنه من الصعب أن يكون أي منهم إخوانيا ومصريا ومسلما معا. فيما عدا هذا, فليلوح الإخوان وكل من يتعاطف معهم بإشارة رابعة ألف مرة في اليوم إذا أرادوا.. وبإمكانك في المقابل أن ترد إذا شئت بالابتسام أو التجاهل أو حتي الاشفاق!. والآن.. ومن باب التدريب العقلي, أو حتي الدعابة, أريدك أن تسأل نفسك: كيف يمكن لأي منا أن يحيا بكف غير كامل؟ ماذا يمكن أن نفعل بأربعة أصابع متباعدة ومن تحتها إبهام ممنوع من الحركة؟. جرب أنت أيضا اليوم أن تفعل المثل فتثني إبهامك وتفتح باقي أصابع يدك وحاول بعدها أن تأكل أو تشرب أو تصافح أحدا, أو تقرأ صحيفتك. أن تحمل كتابك, أو تقود سيارتك, أو تمسك فأسك, أو تضبط ساعتك, أو تكتب مقالا كهذا. أن تعد نقودك, أو تمسك بمسبحتك لتحمد الله بعد صلاتك, أو تصفق للاعب أحرز لتوه هدفا لمصلحة فريقك المفضل. وجرب أخيرا أن تحكم إغلاق سترتك, كما فعل الرئيس السابق محمد مرسي يوم محاكمته!.. نصيحتي لوجه الله: لا تحاول, لن تنجح!. وأترك الهزل إلي الجد لأسجل أنه إلي جانب الاحتمالات المؤكدة لتصلب الأصابع إذا تركت مفرودة هكذا طويلا, فإن هناك أعراضا أخري أسوأ لما أسميه حالة رابعة, ربما يكون أخطرها علي الإطلاق هو تصلب العقل وإلغاؤه. فبعد تحرك الملايين لإزاحة حكم الجماعة في نهاية يونيو الماضي, يبدو الإخوان وأنصارهم كمن ينكر الشمس في رابعة النهار. وكل ما يقولونه أو يفعلونه, ويكتبونه في مواقع التواصل الاجتماعي, يثبت كل ساعة أنهم يصدقون فقط ما يريدون تصديقه, ويغمضون عيونهم عن الواقع الذي تغير في مصر, ولن تجد بينهم من يوافقك علنا علي أن ممثلهم في الرئاسة أخفق تماما علي مدي عام كامل, مهما كانت أدلتك. ولا أحد أيا كان يجب أن يسمح لنفسه بالسخرية من أرواح ناس ماتوا( حتي لو كانوا في الجبهة الخطأ), في حالة ما إذا كانت علامة رابعة تريد بالفعل التذكير بهم. لكن ليس هناك تفسير علني من جانب الإخوان أو أي جهة يشرح لنا المقصود تحديدا من رمز صامت كهذا يحتمل كل التأويلات. فربما يكون المطلوب مثلا تأنيبك لأنك كنت بين الملايين الذين أسقطوا مشروعهم, وقد تكون العلامة دعوة للأنصار إلي الصمود أو إعلان ما يرون أنه انتصار( من انتصر؟ وعلي من؟). وإن كان الارجح أنها شهادة علي هوية من اعتصموا وصاموا رمضان في ميدان رابعة. ولا أدعي لنفسي معرفة أكثر من غيري بخبايا النفس, لكن تصوري هو أن كف رابعة يضع في الحقيقة سدا فاصلا وفوريا بين أصحابه وبينك, وبينهم وبين باقي العالم بمجرد أن يرفعوه في وجهك, وكأنهم يقولون: لسنا منكم ولستم منا. ومع كل مرة يكررون فيها هذه الحركة فإنهم يقتربون أكثر من الانفصال عن بلد يرون أنه لم يعد وطنا لهم, ومن التقوقع في جزيرة مستقلة بالمشاعر والتصرفات. جزيرة ترفع راية باللونين الأصفر والأسود وتحكمها عقد اضطهاد, ومشاعر مظلومية وإحباطات وخيالات بعكس الواقع, لتنسلخ يوما بعد يوم عن مصر كلها نفسيا وفعليا. والمؤكد أنه في حالة مستعصية كهذه سيمر وقت طويل ليس من السهل التنبؤ بمداه, قبل أن يعود سكان هذه الجزيرة إلي رؤية الدنيا علي حقيقتها بكل الألوان.. وليس الأصفر والأسود وحدهما!. لمزيد من مقالات عاصم القرش