غانا.. نموذج من ذهب!

يخطيء كثيرون في الاعتقاد بأن غانا ما هي إلا دولة صغيرة تقع في الطرف الغربي من القارة الأفريقية لا أهمية لها. وعلي الرغم من أن زعامة مصر في القارة الأفريقية ليست محل شك, فإن تفوق غانا في مواجهة رياضية مع مصر يمكن أن يكون فرصة جيدة لنا.
و ذلك للتعرف علي هذا البلد وما حققه من تطور علي مختلف الأصعدة خلال العقود القليلة الماضية, التي شهدت صعود غانا إلي مصاف قائمة الكبار سياسيا واقتصاديا.
فتاريخيا, اشتهرت غانا بكونها أول مهبط للمستعمر الأوروبي في منطقة جنوب الصحراء الكبري في القارة الأفريقية, حيث جاء إليها لنهب الذهب, والعبيد أيضا وكان اسمها ساحل الذهب أن يغير رئيسها كوامي نكروما أول رئيس بعد الاستقلال إلي غانا, وهي بالمصادفة أول دولة في المنطقة نفسها تحصل علي استقلالها من الاستعمار البريطاني, وكان ذلك في عام1957, ولكن نقطة التحول الحقيقية جاءت في عام1992, وهو تاريخ إقرار أول دستور يسمح بالتعددية الحزبية, حيث بدأت غانا بعده تعرف طريق الانتقال السلمي للسلطة, وخاض رئيسها جيري رولينجز وقتها الانتخابات وفاز بالرئاسة, وتفرغت البلاد منذ تلك الفترة لتطوير مستوي التعليم والإصلاح السياسي والاقتصادي والبحث عن طرق الاستغلال الأمثل للثروات المعدنية الهائلة التي تملكها البلاد, وعلي رأسها الذهب, فهي الثاني أفريقيا في إنتاج الذهب بعد جنوب أفريقيا, فضلا عن الثروات الزراعية مثل الكاكاو, حيث تعتبر غانا ثاني أكبر دولة مصدرة له في العالم بعد كوت ديفوار.
وكما أصبحت غانا نموذجا قاريا وعالميا يحتذي به في التحول الديمقراطي والانتقال السلمي للسلطة, فإنها أيضا واحدة من أسرع الدول النامية اقتصاديا, وقد دخلت مؤخرا مجال إنتاج البترول بقوة, بعد الإعلان عن اكتشاف احتياطيات بترولية هائلة في سواحلها منذ يونيو2007, وبدأت الإنتاج الفعلي للبترول عام2010, مما أعطي دفعة هائلة لاقتصادها في الأعوام القليلة الماضية, شجعها علي عدم الاقتراض ثانية من صندوق النقد الدولي بعد القرض الذي حصلت عليه وهو600 مليون دولار لمدة ثلاث سنوات.
ولكن يبقي الذهب هو الرمز الوطني الأول للبلاد, ولونه الأصفر موجود في الجزء الأوسط من العلم الغاني, الذي يحمل أيضا نجمة خماسية يطلق عليها النجم الأسود, وهو أحد رموز غانا أيضا, ومنها جاءت تسمية منتخب غانا لكرة القدم بالنجوم السوداء.
وتتمتع غانا بالتعدد الديني واللغوي والعرقي, فسكانها البالغ عددهم25 مليون نسمة منقسمون عرقيا ما بين الأكان47% والمول داجبون6,16% والإيوي14%, وغيرهم, ودينيا بين المسيحيين71% والمسلمين18% وأصحاب الديانات التقليدية5%, ولغويا بين الإنجليزية36% ولغة الأشانتي15% والإيوي13%, وغيرهم, ومع ذلك فالتركيبة المجتمعية لغانا متماسكة للغاية بفضل الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تتمتع به منذ دستور1992, باستثناء حوادث نادرة.
كما كان عام2002 من النقاط المفصلية في تاريخ التحول الديمقراطي السليم في غانا, ففيه شكل الرئيس الأسبق جون كوفور لجنة مصالحة وطنية للبحث في انتهاكات حقوق الإنسان التي شهدتها البلاد في الماضي.
ولكن أكثر ما يميز المجتمع الغاني الارتفاع النسبي لمعدل التعليم بين الكبار, فنسبة5,71% من الغانيين متعلمين, وهي نسبة جيدة في قارة أفريقيا بصفة عامة.
وهذا الوضع السياسي والاقتصادي القوي هو الذي مكن غانا أيضا من ممارسة دور إقليمي جيد علي كافة المستويات, وبخاصة في مجال حفظ السلام, ولا ننسي أن الغاني كوفي أنان كان أمينا عاما للأمم المتحدة في فترة من أصعب فتراتها, وهي الفترة التي شهدت حرب العراق, كما تمتلك غانا مجتمعا مدنيا قويا يسهم بشكل قوي في علاج مشكلات غانا الداخلية.
والاقتصاد الغاني نجح في تحقيق معدل نمو وصل إلي7%, كما ارتفع متوسط دخل الفرد إلي3400 دولار سنويا, وهو متوسط جيد بالنسبة لأفريقيا.
وبشكل عام, تعد تجربة غانا مع التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي والاقتصادي وتنمية الموارد والتعايش السلمي في ظل التعددية الدينية والعرقية واللغوية نموذجا يحتذي به في أفريقيا والعالم, رغم الصغر النسبي لهذا البلد.