عانت الجامعات المصرية لعقود من تدخل أجهزة الأمن بأنواعها من حرس جامعي وأمن الدولة في الشأن الداخلي للجامعات. فصارت تتدخل في قرارات الجامعة وفي انتخابات اتحادات الطلاب واختيار القيادات الأكاديمية والإدارية. وصارت بعض القيادات الجامعية تحرص علي التشاور مع هذه الأجهزة وأخذ رأيها وموافقتها في كل مشكلة ذات طبيعة أمنية أو طلابية, حرصا علي إرضائها وضمانا لإيجابية التقارير التي ترفع عنها, استنادا إلي أن هذه التقارير هي جواز المرور للتصعيد لوظائف أعلي داخل الجامعة أو خارجها. قامت ثورة25 يناير فأسقطت هذه المنظومة وصدر حكم قضائي بإلغاء الحرس الجامعي. وكان هذا جزءا من الغضبة الكبري ضد تجاوزات أجهزة الشرطة واستخدامها من قبل نظام مبارك لتقييد وقمع الحريات وتزييف إرادة المواطنين. وجاءت ثورة30 يونيو التي استردت بمقتضاها الجماهير العريضة من المصريين إرادتها وثورتها التي سرقتها تنظيمات وتيارات الإسلام السياسي. وقام الجيش والشرطة بحماية والاستجابة لهذه الإرادة, نتج عنها مصالحة وطنية كبري بين جماهير المصريين وبين الجيش والشرطة, حيث عكفت هاتان المؤسستان منذ ثورة30 يونيو علي حماية أمن مصر ومحاربة الإرهاب في مختلف أرجاء مصر, وسقط منهما شهداء وضحايا في سبيل هذه الرسالة المقدسة. ومازالت المعركة قائمة بين قوي الشر والإرهاب وبين قوات وأجهزة الجيش والشرطة في كل مناطق وربوع الوطن وفي الجامعات. ومنذ افتتاح العام الدراسي الجديد والجامعات مستهدفة من قوي الشر والإرهاب تلك, لأن الجامعات أماكن تجمع وكثافة جماهيرية وشبابية ليس لها نظير في تلك الخاصية في مصر. وقد ترتب علي هذا الاستهداف ليس فقط خسائر مادية ومالية وبشرية, وإنما تعطيل لأدوار ووظائف المؤسسة الجامعية مما لايمكن تعويضه. هناك ضرورة ماسة لوجود شرطة داخل الجامعات وغيرها من مؤسسات التعليم العالي وليس فقط في محيطها الخارجي, تخضع مباشرة لسلطة رئيس الجامعة أو المؤسسة التعليمية, وليس لأية جهة أخري, لأسباب جوهرية نوجزها في الآتي: 1- تحتوي الجامعات المصرية باعتبارها مؤسسات تعليمية كثيفة الأعداد علي جماهير غفيرة أغلبهم من الشباب هم الطلاب وعلي أعضاء الهيئة الأكاديمية وعلي عاملين إداريين. وهذا التكوين الكثيف والمركز في حيز مكاني ضيق, مؤهل بطبيعته للحشد السياسي, وهو مستهدف من قبل تيارات وقوي الإسلام السياسي لتعطيل وتخريب هذه المؤسسات في الآونة الراهنة, ومستهدف بالحشد والتأثير من التنظيمات الحزبية في المستقبل. ويمثل دخول العمل السياسي داخل الجامعات دون ضوابط أو قيود خطورة علي دور الجامعات ووظائفها. وتحتاج الجامعات مثلها في ذلك مثل المجتمع إلي آلية إنفاذ للقانون وللضوابط والقيود التي تنظم التعبير عن الرأي دون التأثير علي وظائف وأداء الجامعة كمؤسسة تعليمية وبحثية. ولا يمكن توفير هذا إلا من خلال جهاز أمني متخصص مؤهل ومدرب ومعزز كذلك بأدوات القوة إذا لزم استخدامها عند الضرورة, ويعمل وفق ضوابط ويخضع للرقابة في أداء هذه المهمة الدقيقة. 2- ينبغي التعامل مع مؤسسات التعليم ومنها الجامعات بمعايير مشابهة لتلك المستخدمة في دور العبادة, بضرورة وضع قيود مشددة علي ممارسة العمل السياسي من خلالها. كلتا المؤسستين بحكم قداسة دورهما ينبغي حمايتهما من المخاطر المرتبطة بالعمل السياسي عامة والسياسة المتقنعة والمتسترة بالدين خاصة. وتحتوي تجربة مصر مع الأخيرة علي دروس مستفادة ينبغي ترجمتها إلي آلية مؤسسية لحمايتها من تلك المخاطر. 3- هناك ضرورة لوجود آلية لمنع الجريمة داخل الجامعات ومؤسسات التعليم كثيفة الأعداد, وليس فقط التدخل بعد أو عند حدوثها مع أهمية الدور الأخير, علي أن تتعامل بحسم مع ما يمس أمن هذه المؤسسات. ولا يتأتي هذا إلا بوجود شرطة جامعية/تعليمية كفء داخل هذه المؤسسات, وقادرة علي فرض الأمن والنظام وفق صحيح القانون, ووفق ضوابط العمل التي تتطلبها خصوصية طبيعتها. 4- تشتمل الجامعات ومؤسسات التعليم عامة علي بشر ومرافق وأصول مادية ومعرفية ومعامل وأجهزة, ينبغي حمايتها من أعمال التخريب والعبث والتبديد( مثلما حدث في هندسة القاهرة وإدارة جامعة الأزهر وغيرها) وكذلك من الفساد, وعلي أدوار تعليمية وبحثية وخدمات مجتمعية يتطلب الأمر توفير الأمن والأمان الذي يمكنها من ممارستها بحرية. ولا يتصور أن ينشط العقل والفكر الذي يمثل جوهر هذه الأدوار في ظل التهديد والخوف الذي يتولد عن تلك الأعمال. ويمثل وجود شرطة من طبيعة خاصة داخل هذه المؤسسات ضمانة وأداة ردع ضد التخريب وضد الجريمة, فضلا عن كونها عنصر استقرار وأمان للأنشطة الفكرية التي تجري داخلها. 5- هناك ضرورة لحماية المؤسسات الجامعية والتعليمية من دخول العناصر المندسة التي لا تنتمي لها وتدخلها لأغراض التخريب والترويع والحشد, ومن الجرائم التي ترتكب داخلها وهي كثيرة لامجال للتفصيل فيها هنا. 6- مثلما تم التصالح بين الجماهير والشرطة بعد ثورة30 يونيو, هناك ضرورة للتخلص من المخاوف والحالة الذهنية للخبرات السابقة مع الحرس الجامعي, ولتبني فكر جديد يستجيب لاحتياجات الجامعات ومؤسسات التعليم وحماية أدوارها وأصولها ومن فيها, ويعيد لها الاستقرار علي أسس وقواعد جديدة تعتبر غير موجودة أو نافذة حاليا. وجود شرطة جامعية للحفاظ علي الأمن في الجامعات تعمل وفق قواعد ومنظومة جديدة يعتبر ضرورة ماسة وملحة, لسد الفجوة الأمنية الرهيبة الموجودة حاليا, وبما لا يكرر الخبرات السلبية السابقة مع الحرس الجامعي. لمزيد من مقالات د.أحمد صقر عاشور