لم يعد الالتحاق بالتعليم الجامعي يعتمد علي تحصيل الطالب واجتهاده فقط بعد أن أسهمت عوامل عديدة بشكل أو بآخر في تغيير نمط الالتحاق بالتعليم الجامعي خاصة كليات القمة في مجتمع يري أن قمة النجاح في رحلة العلم أن يكون الابن طبيبا أو مهندسا. لقد كانت كليات القمة حتي زمن قريب مقصورة علي الطلاب النابغين والنابهين الذين لا يعتمدون علي مال ولا دروس بل علي جهدهم ومثابرتهم في تحصيل العلم. ثم ظهرت المدارس الخاصة التي بلغت رسومها في أدني مراحلها( الكي جي) آلاف الجنيهات لم نر أنها قدمت تعليما خارقا يختلف عما تعلمناه في طفولتنا البائسة سوي مظاهر خادعة ورعاية زائفة من أجل استنزاف أموال مجتمع أصبح أفراده بكل أسف يرون أن ذلك من متطلبات الأبهة ولزوم الطبقة الاجتماعية التي لا يحق أن يتخلوا عنها. وظهرت الدروس الخصوصية التي أصبحت سمة غالبة في مجتمع يقدس أبناؤه الراحة والرفاهية والتعليم الدليفري سابق التجهيز مقارنة بأزمنتنا الغابرة التي لم يكن خلالها في قاموس حياتنا مصطلح الدروس الخصوصية إلا للمتعثرين دراسيا. وهكذا أحدثت هذه المستجدات انقلابا دراميا أخل بمبدأ تكافؤ الفرص حيث يتضح التمايز الطبقي جليا عند الالتحاق بالتعليم الجامعي في ثنائية الجامعات الحكومية والخاصة وأصبح لدينا عدد متماثل في المعسكرين يوفر فيه المعسكر الثاني فرصا تعليمية للطالب المقتدر لا تتاح للمعسكر الأول الفقير محدود الدخل وفيها يكون المال لا الجهد والمثابرة هو العامل الحاسم. وأصبح واضحا أن الالتحاق بالتعليم الجامعي بجميع كلياته خاصة كليات القمة لا يشترط فيه النبوغ بقدر ما يشترط فيه المال الوفير الذي ينتج فرصا تعليمية لا تتوافر بالجهد والمثابرة.. أضف الي ذلك التعليم التقليدي الذي لا يقيس الفهم بقدر ما يقيس الحفظ. وربما أوجد هذا الواقع الأليم تحديا لمن لا يملك المال لمضاعفة جهده ومثابرته لتعويض هذا الفارق في حسم معركة دخول إحدي كليات القمة في جامعة حكومية قد يدخل قرينه المقتدر ماليا مثيلتها ولكن في جامعة خاصة برسومها الباهظة. ورغم ذلك يبقي النبوغ وليس المال عنصرا حاسما في القدرة علي ممارسة المهنة ومحكا عمليا يعيد العدالة المفقودة الي أصحابها, ويؤكد أن الجهد والسعي الدءوب حتي إن اقترن بالمال فإنه الأبقي والأنفع ممن سعي الي شراء مجرد شهادة جامعية لا تؤهل صاحبها للعمل ولا تفيده إلا في تحقيق الوجاهة الاجتماعية الزائفة ليس أكثر, فكم من تعليم أنفقت عليه أموال طائلة لكنه لم يفرز إلا طلابا يجهلون أكثر مما يعلمون لأنهم لم يضعوا العلم هدفا وغاية وإنما ظنوا أن أموالهم وليس جهدهم سوف تحقق لهم جل أهدافهم وهذا بالطبع محال لأنهم وإن ظنوا أن أحلامهم قد تحققت بمجرد دخولهم الكلية التي طالما حلموا بها ثم حصلوا منها علي شهادة التخرج إلا أن ذلك ليس نهاية المطاف فافتقاد المهارة التي تثبت جدارتهم بتلك الشهادة ستؤدي الي عدم نجاحهم في سوق العمل, إن الأموال الباهظة التي ينفقها الآباء دون وعي علي تعليم أبنائهم لا تولد طموحا ولا حماسا ليضيع كل ما تم إنفاقه حتي وإن حصل الابن علي شهادة مشتراة, فهو استثمار فاشل لم يحقق العائد المرجو منه فالاستثمار الحقيقي في التعليم لا يتحقق بالمال وحده وإنما بالجهد والعناء والمثابرة ليكون المخرج النهائي مهنيا بارعا في مهنته أيا كانت يحقق نجاحا وتميزا لنفسه ومجتمعه وبلاده.. وهذا هو بيت القصيد. شاكر رفعت بدوي - ماجستير إدارة أعمال العريش