بعد الثورة البلد بقت كلها باشوات وكل واحد بيعتبرنا شغالين عنده.. ولما أزهق أكبر دماغي وأقعد علي الرصيف! هكذا اختصر العسكري جودة مشكلته مع إشارة المرور... ويجوز أنه اختصر المشكلة في القاهرة كلها, فالعسكري جردة يجد نفسه كثيرا مسئولا عن تنظيم المرور في تقاطع4 شوارع كبري شرق القاهرة يعجز عن تنظيمها قوة برئاسة لواء!. هناك مثلا في آخر شارع عين شمس مواقف عشوائية للسيارات الميكروباص ومزلقان سكة حديد وكوبري, وكل هذا فوق رأسك يا جودة وذات مرة عجز عن السيطرة علي التشابك المروري علي مزلقان عين شمس فانتحي جانبا ليجلس علي حجر كبير يستخدم كحاجز بين الاتجاهين ووضع كفاه علي رأسه معلنا يأسه من حل أي شيء!. سابوني لوحدي وأنا مش عارف أتعامل مع السواقين... هنا ولا واحد بيسمع كلامي وزي ما شايفين, الشارع كله بقي اتجاه واحد... عمر حد شاف ميدان به6 اتجاهات ولا يوجد أي شيء يحددها, لا إشارة ولا حواجز, ولا رصيف ولا حتي خطوط بيضاء. وكثيرا عندما تبدأ الأمور في التأزم حول جودة, يتطوع عدد من الشباب في محاولة لفك الاختناق... ساعة.. اثنين... بدون أي مبالغة.. يبدأ الاختناق في الانفراج في بداية الساعة الثالثة: سيارات نقل ثقيل وخفيف.. ميكروباصات.. أوتوبيسات وميني باصات وملاكي وتكاتك حتي عربيات الكار ولا تعبرني وكأني مش هنا.. لكن الوضع غير كده في حضور, ضابط أو حتي ملاكي, أما سائق الميكروباص, فيمكن معه مطواة أو سنجة أو حتي فرد خرطوش, هنا أحيانا يصر الناس علي السير في المخالف ولا يفرق معهم. وماذا عن الحال بعد الثورة يا جودة؟! كانت أيام حلوة لأني قضيتها كلها في البلد من غير شغل... ولكن لما رجعت بعدها, حتي الضباط ما قدروش علي السواقين, وحتي لما أكون وحدي أو أنا وزميلي بالدفتر, السواقين بيعاملونا وكأننا شغالين عندهم, وهم يأمروا واحنا ننفذ... ومن غير أذن. هل يمكن حل أزمة المرور يا جودة؟! يضحك جودة باستهزاء ويقول: ممكن لما يهدوا نص العمارات ويوسعوا الشوارع عشر مرات والناس تحس بنا. ثم يكمل: الناس هنا وفي كل مكان تعاند معانا ومع نفسها وكأنهم قاصدين الدنيا تقف وتتشل... وفي الأول الأزمة كانت هنا بس... لكن في الشهور الأخيرة مصر كلها تحولت لمزلقان واقف. ورغم الأوقات العصيبة التي يقضيها جودة في عمله, إلا أنه يتساءل في براءة عن سبب هذا الغضب اللا مبرر الذي يراه علي وجوه قائدي السيارات, وهو يؤكد أنه كان منذ فترة ليست بالبعيدة, يفرق ما بين معاملات سائق التاكسي أو الميكروباص أو الملاكي, لكنهم الآن كلهم يخالفون بنفس الدرجة ويتعاملون, وكأن الشارع ملكهم, فيقفون ويسيرون بأي طريقة. ويكمل جودة بحسرة: كتير جدا زميلي المكلف بكتابة المخالفات يتركني بعد أن يخلص دفتره, ويا عالم المخالفات مصيرها إيه بالضبط, والسواقين هنا لا يحسبون حساب غير لقوة من ضابط وأمناء, لأن الوضع علي هذا الحال حتي الساعة اثنين بالليل وياما خططوا الشارع ووضعوا حواجز جديدة وخرسانة ولكن من غير فايدة لأن الناس هنا مزاجهم عكس الأتجاه وطول الليل يعندوا مع بعض والشارع يوقف وأضطر إني أخفي نفسي لأنهم بيشتموني لما أحاول أنا وزميلي نمشي الطريق وساعات بالتهديد بحبسنا, والبلد بقت كلها باشوات.