أكد العلماء أن الأمة في حاجة إلي العمل التطوعي مثلما هي في حاجة إلي أداء الواجبات, فلا تغني الواجبات عن التطوع; ولذا جعل ربنا عز وجل الجزاء الأوفي للعمل التطوعي في الدنيا والآخرة. وأوضح العلماء أن العمل التطوعي ليس مقصورا علي العبادات فحسب. بل يشمل المعاملات أيضا, مثل الحفاظ علي البيئة, وتحقيق الأمن المادي أو المعنوي للناس, ومساعدة ذوي الحاجات, وإسعاف من هم في حاجة إليه, وإرشاد الناس وتبصيرهم بالأخطار المحدقة بهم, وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم. ويقول الدكتور فياض عبدالمنعم, أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر, إن جوهر الإسلام هو الاعتناء بالإنسان والوفاء بحاجاته الأساسية, وإن عظمة الإسلام لتتجلي في أنه جعل وسيلة إشباع هذه الحاجات الإنسان نفسه, بأن ينطلق الإنسان من قيمه الداخلية في حاجة غيره من بني الإنسان. وجعل الإسلام هذا التطوع من أعلي فضائل الإسلام, حيث يقول الرسول صلي الله عليه وسلم خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي أخرجه الترمذي, كما يقول صلوات الله وسلامه عليه نعم المال الصالح للرجل الصالح رواه البخاري والإمام أحمد, وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله, عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... ورجل تصدق أخفي حتي لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) متفق عليه. وحفل القرآن الكريم بالآيات التي تحث علي التطوع, وهناك أنواع متعددة للتطوع: تطوع بالمال لغير القادر, وتطوع بالجهد, وتطوع بالنصيحة. فأما التطوع بالمال فالأدلة عليه أكثر من أن تحصي, منها قوله صلوات الله وسلامه عليه المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه, من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته, ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة, ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة متفق عليه. وأما التطوع بالجهد فيتبدي في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم.. أن من البر أن يفرغ أحدكم في دلو أخيه. وأما التطوع بالنصيحة ففي قوله صلوات الله وسلامه عليه الدين النصيحة, قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. فما أحرانا أن ننظم هذه الأعمال التطوعية في مؤسسات خيرية تختص بالمال, وأخري تختص بالجهد, وثالثة تختص بالاستشارة النصيحة; فقد سبقنا الغرب إلي ذلك, ونحن أولي من الغرب به, وعلي المجتمع المسلم أن يكفل ما بداخله, وإن لم يفعل يأثم المجتمع كله. ويؤكد الدكتور مصطفي مراد, أستاذ العقيدة والأديان والمذاهب بكلية الدعوة الإسلامية, أن الإحسان إلي الناس من أفضل القربات عند الله سبحانه وتعالي, والإحسان إلي الناس إما بالقول وإما بالعمل. ونحن أحوج ما نكون إلي العمل التطوعي في هذه الأيام, وذلك لتشعب مجالات الحياة وكثرة الهموم وذيوع الفوضي, لما يؤدي إليه من تخفيف علي الناس وتيسير أحوالهم وقضاء مصالحهم. ويمكن تقسيم العمل التطوعي إلي قسمين: قسم عام, وقسم خاص. فأما القسم العام فيشمل الناس كافة, فكل يقوم بدوره حسب كفاءته وقدرته, وأما القسم الخاص فيشمل الهيئات والمؤسسات والجمعيات. وقد رأينا في الوقت الراهن جمعيات سلكت هذا العمل الجميل, ولا يماري إنسان في نجاح هذه الأعمال وأثرها في خدمة الناس لا سيما عند الكوارث والنكبات والملمات, ولكنها في المجال الفردي تحتاج إلي توعية وتنظيم وإعداد وتخطيط. وبالجملة فإن العمل التطوعي هو نجاح في الدنيا والآخرة علي مستوي الأفراد والجماعات. فلا قيمة لأمة ولا تقدم لدولة من دون هذا العمل التطوعي الذي جعله الإسلام عنوانا عريضا لدعوته, ولذلك يقول الرسول صلي الله عليه وسلم أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن. ويقول كذلك ألا أنبئكم بخير من الصلاة والصيام والزكاة والحج؟ قلنا: بلي يا رسول الله. قال: إصلاح ذات البين.....