هل كانت25 يناير مجرد انتفاضة جماهيرية محدودة ضد نظام مبارك بكل سلبياته وأخطائه سرعان ما تحولت بحكم انضمام ملايين المواطنين إلي طبقة الشباب الثائر الذين نظموها, أم أنها كانت منذ البداية ثورة بكل معاني الكلمة؟ ولو كانت ثورة بكل معاني الكلمة فإن هناك أسئلة لابد أن تتداعي, وأهمها: هل هناك ثورة بلا قيادة, وهل هناك ثورة بلا أيديولوجية؟ لن نحاول تقديم إجابات شافية عن هذه الأسئلة الحاسمة لأنه سبق لنا في كتابنا الشعب علي منصة التاريخ: تنظير مباشر للثورة: الذي خرج منذ شهور قليلة عن المركز العربي للبحوث بالقاهرة أن قدمنا تحليلا ثقافيا متكاملا للرد علي هذه الأسئلة المحورية. نعم, لقد كانت ثورة بلا قيادة, لأن من نظموا الانتفاضة الجماهيرية تلاقوا بدون معرفة سابقة- علي شبكة الإنترنت. وكانت أيضا ثورة بلا أيديولوجية, لأننا نعيش عصر سقوط الإيديولوجيات وتحول مضامينها إلي شعارات محددة مثل شعارات25 يناير خبز وحرية وعدالة اجتماعية. غير أن افتقاد ثورة25 يناير إلي قيادة أدي من بعد إلي عواقب بالغة الخطورة, لأن القوي السياسية التقليدية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين قفزت علي قطار الثورة المندفع, واستطاعت عقد صفقات سياسية مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي أرخي لها الزمام السياسي وسمح بتنظيم إستفتاء الانتخابات أولا أم الدستور أولا, بناء علي قرارات لجنة هواها إخواني, مما أدي بعد تزييف وعي المواطنين البسطاء برفع الشعارات الدينية- إلي أن تكون نتيجة الاستفتاء الانتخابات أولا. وقد أدي عقدها علي عجل بغير أن تعطي الائتلافات الثورية والأحزاب السياسية الليبرالية فرصة الزمن الكافي لإعداد نفسها إلي فوز ساحق لحزب الحرية والعدالة الإخواني, بالإضافة إلي حزب النور السلفي. وهكذا هيمنت جماعة الإخوان علي السلطة التشريعية, ثم أتيح لها بعد ذلك نتيجة صفقات مشبوهة أجرتها مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة وبعض التيارات الليبرالية للأسف, أن تنجح مرشحها محمد مرسي ضد أحمد شفيق لتكتمل دائرة التمكين الإخوانية بعد أن تملكت السلطتين التشريعية والتنفيذية. واستطاع الرئيس المعزول بنتيجة انتخابات صندوق الانتخابات وهو لدينا في مصر عكس الدول الديمقراطية المتقدمة- صندوق ملوث بآفات الأمية والفقر والرشاوي الانتخابية المقنعة, وأخطر من ذلك بتزييف الوعي الاجتماعي للعامة من البسطاء نساء ورجالا برفع الشعارات الدينية المضللة مثل تطبيق شرع الله... وكأن الشريعة الإسلامية غير مطبقة في البلاد, نقول استطاع محمد مرسي العبث بكل الأعراف الدستورية, والعصف بكل القواعد القانونية. لن نتحدث عن القرارات الرئاسية المشبوهة, التي أفرج فيها عن أكثر من أربعمائة من الجهاديين والتكفيريين وتجار الأسلحة, ولن نتحدث عن تلاعبه بثوابت الأمن القومي في سيناء, مما أغضب بشدة القوات المسلحة الحارسة علي أمن مصر, ولن نتحدث عن إقصاء جميع القوي السياسية بغير استثناء والانفراد الاستبدادي بالسلطة, ولكن يكفينا هنا أن نشير إلي الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المعزول والذي اعطي فيه لنفسه سلطات مطلقة, وحصن قراراته في الماضي والحاضر والمستقبل من أن ينقضها القضاء. والسؤال هنا: هل نتيجة الصندوق في الانتخابات الرئاسية أو في الانتخابات البرلمانية تتيح للرئيس المنتخب أن ينقلب إلي ديكتاتور مطلق السراح مشروعه الحقيقي هو تفكيك مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الشرطة والقضاء والقوات المسلحة؟ لقد أدت سياسة التمكين الإخوانية إلي سخط شعبي واسع المدي بعد أن أحست الجماهير العريضة أنها- من انتخب الرئيس المعزول ومن لم ينتخبه- كانت ضحية خدعة كبري في حكم الإخوان المسلمين. وبعد أن تراكمت الأخطاء والخطايا ودخل الحكم الإخواني بغباء سياسي نادر في حرب استنزاف ضد مؤسسات الدولة جميعا, بالإضافة إلي الإعلام ورموز الفكر والفن, نشأت حركة تمرد والتي استطاعت بناء علي خيال ثوري ثري حشد عشرات الملايين في30 يونيو لإسقاط حكم الإخوان الاستبدادي. وسرعان ما دعمت القوات المسلحة هذه الإرادة الشعبية الطاغية وكان أن بادرت بعزل رئيس الجمهورية وإعلان خارطة الطريق. وهنا قامت الثورة المضادة التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين, والأصح أن نسميها الأفعال المضادة للثورة رافعة شعار الدفاع عن الشرعية, ومطالبة بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي, وعودة العمل بالدستور, وإعادة مجلس الشوري الباطل كل ذلك احتراما لنتيجة الصندوق! وها هي مظاهرات جماعة الإخوان المسلمين بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة تعبث في البلاد عدوانا وترويعا للمواطنين واعتداء علي المنشآت العامة باسم الدفاع عن الشرعية, وهي لا تتردد في استخدام العنف ضد قوات الأمن أو ضد الجماهير الغاضبة التي ترفض مسيراتها وشعاراتها وهتافاتها المسيئة للقوات المسلحة. وأنا أفهم أن الصدمة التي أصابت قيادات جماعة الإخوان المسلمين وقواعدها الجماهير, نتيجة نجاح ثورة30 يونيو في تخليص البلاد من الحكم الإخواني الفاسد أدت إلي ظهور ردود فعل هستيرية, ترجمت نفسها في الشعارات المعادية والسلوك العدواني لكن الذي لم أفهمه علي وجه الإطلاق الهجوم غير المبرر الذي شنته بعض الشخصيات غير الإخوانية ضد30 يونيو, واتهامها بأنها ليست سوي انقلاب عسكري! غير أن هؤلاء- ومن بينهم أصدقاء أعزاء من ينتمون إلي التيار اليساري أو الليبرالي- لم يفسروا لنا دلالة خروج ملايين المصريين ضد حكم الإخوان في30 يونيو وكان هذا الخروج الشعبي انقلابا؟. ولو كان انقلابا فإنه يعد انقلابا شعبيا يكشف عن تحطيم الجماهير لأسطورة الصندوق المزيف الذي جاء بالإخوان إلي الحكم. وكأن هذه الحجة الفارغة تتيح لأي فصيل سياسي باسم قداسة مبدأ حرية التظاهر والاعتصام أن يحول بعض الميادين إلي مستوطنات سياسية, ويتحكم في الدخول إليها والخروج منها, وبغير طبيعة البنية التحتية لهذه الميادين, وكل ذلك باسم حرية التعبير عن الرأي! ونقول لهؤلاء أننا نتحداهم أن توجد هذه المظاهرات الفوضوية التخريبية والتي تقوم بقطع الطرق والعدوان علي المنشآت العامة والخاصة في أي بلد ديمقراطي معاصر. وفي ضوء ذلك كله نقرر بكل وضوح أننا أيدنا الخروج الشعبي الكبير في25 يناير, وكذلك الخروج الشعبي الكبير الثاني في30 يونيو, ولكننا ضد أي مظاهرات فوضوية في الشارع سواء قامت بها شراذم الإخوان المسلمين أو عصابات الألتراس أو أي فصيل سياسي يمارس الفوضي باسم الثورة. ونحن مع قانون حقيقي قابل للتطبيق ليس لمنع التظاهر ولكن لتنظيم هذا الحق, ومن هنا فالمناقشات الغوغائية التي تمارسها الآن ائتلافات ثورية متعددة ومنظمات حقوقية, حول أن القانون الغرض منه التحريم المطلق للتظاهر ليست إلا تمهيدا للطريق لكي تصبح الفوضي هي السائدة في الشارع مما سيؤدي إلي أن تكون المظاهرات لا تختلف في الواقع عن البلطجة السياسية!. لمزيد من مقالات السيد يسين