انفراج الازمة الامريكية بعد التوصل الي اتفاق لرفع سقف الدين الامريكي حتي فبراير المقبل, وضع حدا للتداعيات الصعبة علي الاقتصاد الامريكي والعالمي.ولكن الازمة فجرت قضية لاتقل اهمية بالنسبة للدول النامية والاسواق الصاعدة. التي تسعي الي تحيق انطلاق اقتصادي او تسعي الي تحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة بما يضمن استمرار التنمية بمعدلات مرتفعة ومناسبة لتوفير فرص العمل لابنائها من الشباب, وفي الوقت نفسه يحفظ التوازن في التوزيع العادل لثمار التنمية سواء علي صعيد القطاعات الاقتصادية او التوزيع الجغرافي لمعالجة المناطق المحرومة والمهمشة, وقبل كل ذلك تحقيق العدالة في التوزيع علي فئات المجتمع. الازمة الامريكية لاشك تركت دروسا مهمة يجب ان تستفيد منها الاسواق الناشئة و في مقدمتها مصر, ولعل ابرز واهم هذه الدروس هو الضوابط والقواعد التي تنظم الاستدانة في الدول المتقدمة الحريصة علي التنمية المستدامة والحفاظ علي حقوق الاجيال القادمة, وضمانات سداد الديون وعدم تراكمها وتفاقمها بما يمثل عبئا علي تمويل التنمية او الجور علي حقوق الاجيال, وحسب الخبير المصرفي منير الزاهد رئيس بنك القاهرة فآنه من الضروري وضع ضوابط وقواعد صارمة لتنظيم الاستدانة وتضع سقفا للدين العام الداخلي والخارجي لا يخرج عن الحدود الآمنة, وبما لا يمثل تهديدا للتنمية المستدامة ومصادر تمويلها, ويحفظ للاجيال القادمة حقوقها ولا يجور عليها, وبحيث تضمن هذه القواعد التي تنظم الاستدانة من جانب الحكومات التأكد من مصادر سداد اقساط وفوائد الدين دون التاثير السلبي علي ضخ الاستثمارات العامة في المرافق والخدمات التي تمس حياة المواطن وحقه في الحصول علي خدمات ومرافق جيدة طالما انه يدفع حقوق الدولة من ضرائب ويقوم بواجباته في العمل والانتاج. ووفقا لبيانات وزارة المالية والبنك المركزي المصري فان اجمالي الدين العام المحلي قارب علي1.5 تريليون جنيه في نهاية اغسطس الماضي, في الوقت الذي قفز فيه اجمالي الدين الخارجي الي نحو44.5 مليار دولار, ووفقا لتصريحات الدكتور احمد جلال وزير المالية فان نسبة الدين العام في مصر تمثل92% من الناتج المحلي الاجمالي. وبلغت معدلات الاقتراض من جانب الدولة اقصاها في ظل حكومة الدكتور هشام قنديل في عهد الرئيس المعزول مرسي حيث بلغ تزايد حجم الدين العام الداخلي بنحو400 مليار جنيه تمثل نحو40% من اجمالي الدين العام المحلي منذ بداية استداني الدولة, وذلك وفقا للدكتور حسام عيسي نائب رئيس الوزراء للعدالة الاجتماعية ووزير التعليم العالي. وفي السياق نفسه يقول الخبير المصرفي عبد الحميد ابو موسي محافظ بنك فيصل ان الدين الخارجي شهد ارتفاعا كبيرا العام المالي الماضي حيث قفز اجمالي الدين الخارجي بنحو35% بسبب فتح الباب من جانب الحكومة السابقة التي رفعت اجمالي الدين الخارجي بنحو12 مليار دولار في عام واحد, والمشكلة الاخري اجمالي الدين الخارجي كان مرشحا لأن يتضاعف في حالة الحصول علي قرض صندوق النقد الدولي والحصول علي حزمة القروض الخارجية الاخري بنحو12 مليار دولار, وينبه الي خطورة فتح الباب امام الاستدانة والاقتراض دون وجود سقف محدد بحيث لا يتجاوز الحدود الامنة. ويعتبر ابو موسي حزمة المساعدات من جانب دول الخليج الثلاث السعودية والامارات والكويت بمثابة فرصة ذهبية لانها لا تضيف اعباء علي الاقتصاد كما ان الجزء الاكبر منها منح سواء مالية او عينية في شكل مواد بترولية, وهو ما يجب ان يتم استثماره من اجل تنشيط الاقتصاد وعودة الانتاج واستئناف النشاط الاقتصادي ومضاعفة العمل من اجل استعادة انتعاش مصادر توليد النقد الاجنبي بالاقتصاد القومي, لتقليص عجز الموازنة العامة وتخفيف اعباء الدين العام., لافتا الي ارتفاع الاحتياطي الاجنبي لدي البنك المركزي في الوقت الراهن, الي جانب استقرار سوق الصرف بفضل السياسة النقدية الرشيدة التي ينتهجها البنك المركزي, والتي ساهمت في توافر العملات الاجنبية في السوق الرسمية بعد اختفاء السوق الموازية, وخروج الطلب المفتعل. ويصف انخفاض سعر الفائدة علي اذون الخزانة بنحو4 نقاط مئوية كاملة بعد ان انخفض العائد علي الاذون والسندات الحكومية من15.5% الي10.5% بالخطوة المهمة في اتجاه معالجة تفقاقم اعباء الدين العام, ولكنه يري ضرورة الحاجة الي تسريع الحكومة ضخ الاموال التي اعلنت عنها ضمن الحزمة التنشيطية الاولي لتحريك الاداء الاقتصادي حتي تتواكب مع انخفاض الفائدة وتشجع القطاع الخاص علي الاقتراض, وتترك اثرها بشكل ملموس في الاسواق, ومن ثم تدفع النشاط الاقتصادي وتسهم في تنمية الايرادات السيادية بما يقلل بدوره من لجوء الحكومة الي الاستدانة لتمويل عجز الموازنة العامة.