تعددت المبادرات, وتعالت الأصوات في الفترة الأخيرة مطالبة بالإسراع في تحقيق المصالحة بين أبناء المجتمع, والخروج بالبلاد من المأزق الراهن. وإذا كانت آيات القرآن الكريم, والسنة النبوية المطهرة قد دعت إلي الصلح بين المتخاصمين, فان علماء الدين يؤكدون أن الإسراع بتحقيق المصالحة وإنهاء العنف ووضع حد للدماء التي تسيل في أرجاء مصر, بات ضرورة دينية ووطنية. ولكن ذلك وفق ضوابط وشروط حددتها الشريعة الإسلامية. وأكد علماء الدين, عدم جواز المصالحة مع من تلوثت ايديهم بالدماء, ومن صدرت ضدهم أحكام قضائية في جرائم القتل والعنف وتخريب الممتلكات العامة والخاصة. وطالبوا جميع التيارات الشعبية والقوي السياسية ومؤسسات الدولة بالإسراع في تحقيق المصالحة الوطنية ولم الشمل لبناء الدولة حتي يتحقق الأمن والأمان والاستقرار للوطن والمواطنين. يقول الدكتور أحمد محمود كريمة, أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, إن الإصلاح بين الناس أصل أصيل في الإسلام, لقوله تعالي: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس سورة النساء, وقوله تعالي فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنينس: ز أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون وقال صلي الله عليه وسلم ز. وأجمع أئمة العلم علي أن إصلاح ذات البين من أعلي الواجبات الشرعية, والإصلاح يكون علي المستويين الفردي والجماعي, ويتأكد في زمن حدوث الفتن لأن الإصلاح في هذه الحالة يحقق الأمن المجتمعي ومعلوم أن المصالح الضرورية الكبري كما قال الإمام الغزالي رحمه الله, واعلم أن مقصود الحق من الخلق أن يحفظ عليهم دينهم ودمهم وعقلهم ونسلهم ومالهم وتأسيسا علي ما ذكر وما يناظره وما يشابهه, فإن المصالحة المجتمعية واجبة في غير حقوق العباد من إراقة دماء وإتلاف الأموال وتخريب المنشآت فمن فعل ذلك كان ضامنا, سواء ارتكب من باب الحرابة أو البغي, ونص أئمة العلم علي أن المحارب يضمن ما أتلفه, فإن قتل أحدا أو نهب مالا فهو ضامن ذلك, فالعفو إنما يكون كما نص القرآن الكريم إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم سورة المائدة, فهؤلاء المحاربون إذا تابوا وأقلعوا قبل المقدرة عليهم فهؤلاء يجوز فيهم العفو, وإذا أبوا واستكبروا وعاندوا وارتكبوا الجرائم المنصوص عليها في الآية الكريمة فلا عفو ولا تسامح. وأضاف الدكتور أحمد كريمة أنه في جريمة البغي, إن كان البغاة لهم تأويل وخرجوا وأشهروا السلاح بتأويل وكانت لهم منعة, فالمتجه لدي الفقهاء التسامح قال تعالي: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين سورة الحجرات, وبتنزيل آيات جريمتي الحرابة والبغي, فلا مانع من المصالحة شريطة ضمان البغاة والمحاربين لحقوق العباد, أما من صدر بحقه أمر قضائي لجنايات اقترفها, فإن كان من حقوق الله عز وجل فالعفو, أما إن كانت من حقوق العباد, فلا تملك السلطات المعنية العفو إلا بتنازل من المعتدي عليهم. وطالب بأن تكون هناك مصالحة شاملة فلا إقصاء لأحد ولا تحامل, لأنهم في الأصل شركاء في الوطن, قال الإمام علي بن أبي طالب, رضي الله عنه: إخواننا بغوا علينا فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فناله فمن وسائل الإصلاح الكف عن التشهير والمعايرة وإطلاق الشائعات وإلصاق الاتهامات. جائزة بشروط من جانبه يشير الدكتور سعد الدين الهلالي, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, إلي أن المصالحة مشروطة بإعطاء الحقوق لأصحابها, يقول الله تعالي: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله, فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ومن هذه الآية الكريمة يتضح أنه يجب مقاتلة أهل البغي المعتدين, فإن توقفوا عن القتال, وجب فتح باب المصالحة, علي أساس من العدل والقسط, الذي يؤدي إلي القصاص العادل, وهو الذي يطهر المجتمع من العود إلي البغي, لأن القصاص إذا لم يتم فإن الباغي سيكرر بغيه مجددا, ولذلك قال الله تعالي: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون فالقصاص العادل هو أساس الحياة الآمنة, والتمييز بين من يستحقون المصالحة وبين من يستحقون القصاص يحدده القضاء, فمن صدر عليه حكم قضائي بالقصاص أو التعويض يجب إنفاذ الحكم القضائي في حقه, ولا مصالحة معه, أما من لم يثبت عليه ارتكاب جريمة ولم يصدر بشأنه حكم قضائي بعد التهمة فهو ممن يستحق المصالحة, ودمجه في المجتمع. ويقول الشيخ أحمد ربيعالأزهري, الداعية بوزارة الأوقاف وعضو مكتب رسالة الأزهر, إن المجتمع في أمس الحاجة إلي المصالحة لأن بناء أي أمة يحتاج إلي ثلاثة أمور علم وسلم وحلم, فالعلم أساس البناء والسلم مدعاة لتراكم هذا البناء والحلم مسلكنا الحضاري عند الاختلاف حتي يظل البناء قائما ومستمرا, واختزال المصالحة في المصالحة مع جماعة الإخوان تضييق حقيقي لمفهوم المصالحة الشاملة التي يجب أن ينخرط فيها كل شرفاء الوطن قبل25 يناير وبعد30 يونيو, والمصالحة يجب أن تكون المصالحة الوطنية الشاملة وهي واجب قومي وديني وأخلاقي. وأضاف: أن المصالحة التي نتمني أن تكون بين جميع الأطراف لا بد أن تكون مبنية علي المصارحة حيث يظهر كل تيار للآخر رأيه واضحا جليا دون لبس أو غموض وأن يكون متحليا بالصدق, ذاك الصدق التي تتشوف إليه الأمة لأن غياب الصدق والمصارحة يفتح بابا واسعا للأيادي الخفية والمشبوهة لتعبث بمستقبلنا وتنفث سمومها في عقولنا, فالمصالحة تقتضي التنازل عما تهفو إليه النفس وتحبه من أجل مصلحة أعم وأكبر ولو كانت بعيدة الإثمار أو حتي غير ظاهرة للعيان, وقد يبدو التصالح بأنه لم يحقق المكاسب التي تسعي إليها النفوس, كما عارض كبار الصحابة بنود صلح الحديبية وتأثر الفاروق رضي الله عنه وقال:(كيف نرضي بالدنية في ديننا) لأن ظاهر بنود الصلح أنه لصالح المشركين, ولكن مآله كان فتح مكة علي أيدي المسلمين. وفي سياق متصل يقول الدكتور محمد الأمير أبو زيد عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالمنصورة, إن شريعة الإسلام دعت إلي الإصلاح بين المتنازعين والمتخاصمين وجعلت ذلك من أهم الدعائم الأساسية, ومصر اليوم تعيش لحظة حالكة دقيقة للغاية, تستوجب من جميع القوي الوطنية الاتحاد والتضامن لتجنب البلاد الانشقاق وتغليب المصلحة العليا علي المصالح الشخصية والتوافق والانحياز للصالح العام والعمل علي تحقيق العدالة وعلي صنع شراكة وطنية, بين أطياف وتيارات المجتمع للتصدي لحالات الفوضي وتحقيقا للأمن العام في الدولة والتمسك بالإرادة الشعبية للعبور بمصر في هذه المرحلة الراهنة إلي طريق الأمل والمستقبل من أجل مصر, ومن هنا يجب أن نتحرر من مبدأ وفكرة التخوين, وفتح الطريق للحوار البناء, والوفاق من أجل مصر وشعبها, لإنهاء حالة الاضطراب والتنازع والصراع القائم والشقاق الذي وصل إليه المجتمع. وطالب جميع التيارات الشعبية والسياسية بمختلف الاتجاهات إضافة إلي مؤسسات الدولة بالبدء علي الفور بالمصالحة الوطنية ولم الشمل لبناء الدولة وعلي الجميع العفو والتسامح وعدم تقديم الإساءة حتي يتحقق الأمن والأمان والاستقرار للوطن والمواطنين.