رئيس هيئة النيابة الإدارية يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بذكرى ثورة 30 يونيو    نقيب المهندسين يفتتح مصيف المهندسين الجديد بمرسى مطروح    مصر ترحب باتفاق السلام بين الكونجو الديموقراطية ورواندا وتؤكد دعمها لاستقرار منطقة البحيرات العظمى    ارتفاع الكوسة.. أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    وزير الإسكان يتفقد الطرق ومشروع "ديارنا" بالعاشر من رمضان    ماذا حدث لسعر الذهب اليوم في مصر بمنتصف تعاملات السبت؟    إزالة تعديات على كوبري بهجات بالمنوات لإقامة موقف سرفيس نموذجي بالجيزة    وزير الكهرباء يبحث مع منظمة تطوير وترابط الطاقة العالمية سبل التعاون    منظمة «OECD» تُطلق تقرير سياسات المشروعات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال    برلماني: مصر قدمت نموذجًا إنسانيًا وسياسيًا في دعم غزة    صور أقمار صناعية جديدة تظهر نشاطًا مكثفًا في منشأة فوردو الإيرانية    وسام وزيزو و8 لاعبين من الهلال في التشكيل المثالي للعرب بمونديال الأندية    قمة برازيلية.. موعد مباراة بالميراس و بوتافوجو في ثمن نهائي كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    موعد مباراة بنفيكا وتشيلسي في ثمن نهائي كأس العالم والقنوات الناقلة    الرياضية: النصر يعرض على جيسوس 7 ملايين يورو سنويا    الهلال الأحمر المصري يقدم الدعم النفسي والمادي لضحايا حادث المنوفية    "هيدرو وحشيش وشابو".. إحباط ترويج 35 كيلو مخدرات في أسوان ودمياط    المحسوسة بالقاهرة الكبرى 39 درجة.. تحذير من الأرصاد بسبب الحرارة والرطوبة    نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس.. خطوات الاستعلام    "الثقافة" تطلق مشروع توثيق تراث فرقة رضا بقيادة سليم سحاب    صيف 2025.. نجوم الغناء يعودون بألبومات قوية ومفاجآت فنية    أمير كرارة وياسر جلال يقتحمان عالم دراما المنصات للمرة الأولى فى 2025    انطلاق احتفالية اليوم العالمي للتبرع بالدم بالإسماعيلية    الصحة: توقيع 10 بروتوكولات تعاون ومذكرات تفاهم في مؤتمر صحة أفريقيا    آثارها الجانبية على العين خطيرة.. احذر مضادات الاكتئاب    من المنيا إلى المنوفية مصر بتحزن، 27 شهيد لقمة عيش ضحايا حوادث عمالة الأطفال خلال أيام    محمد عفيفي مطر.. شاعر الحرث والزروع.. عارض الرئيس السادات.. نشرت معظم دواوينه الأولى خارج مصر.. "من دفتر الصمت" بداية إبداعاته.. ورحل في مثل هذا اليوم منذ 15 عاما    خطوات التعامل مع حرائق السيارات على الطرق و10 نصائح من المرور للحد من الحوادث    ارتفاع أسعار الفول والعدس اليوم السبت في الأسواق    نعي مؤثر ودعوة إلى الوعي، كيف تفاعلت المؤسسات الدينية مع ضحايا حادث الطريق الإقليمي    6 علاجات منزلية للتخلص من أعراض القولون العصبي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 28-6-2025 في محافظة قنا    مع شروق الشمس.. أفضل الأدعية لبداية يوم جديد    إذا أردت أن تتصدق علي صحة جسدك.. فعليك بإقامة تلك الصلاة    صاحب الفضيلة الشيخ سعد الفقى يكتب عن : شهداء لقمة العيش!    ترامب: اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة الأسبوع المقبل.. وضغوط أمريكية على نتنياهو لإنهاء الحرب    انتشال جثة عامل غرق في مياه الرياح الناصري بمنشأة القناطر    أسعار الحديد اليوم في مصر السبت 28-6-2025    حظك اليوم السبت 28 يونيو 2025 وتوقعات الأبراج    رسميًا.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة لمحو ذنوب عام كامل    استشهاد 11 فلسطينيا في قصف للاحتلال استهدف خيم النازحين بحى الرمال غربى غزة    وزير خارجية إيران يدين تصريحات ترامب تجاه خامنئي ويصفها بالمهينة    موعد مباراة بالميراس ضد بوتافوجو والقنوات الناقلة مباشر في كأس العالم للأندية    عضو مجلس الزمالك يتحدث عن عروض بنتايج.. وصفقات ممدوح عباس    واشنطن تؤكد لمجلس الأمن: استهدفنا قدرات إيران النووية دفاعًا عن النفس    «الجبهة الوطنية»: صرف 100 ألف جنيه لأسر المتوفيين و50 ألف للمصابين بحادث المنوفية    «ملوش علاقة بأداء الأهلي في كأس العالم للأندية».. إكرامي يكشف مفاجأة عن ريبيرو    عمرها 16 عاماً ووالديها منفصلين.. إحباط زواج قاصر في قنا    مقتل شاب على يد ابن عمه بسبب الميراث    طفرة فى منظومة التعليم العالى خلال 11 عامًا    مدارس البترول 2025 بعد الإعدادية.. المصروفات والشروط والأوراق المطلوبة    نجم الزمالك السابق: الأهلي يرفع سقف طموحات الأندية المصرية    برئاسة خالد فهمي.. «الجبهة الوطنية» يعلن تشكيل أمانة البيئة والتنمية المستدامة    حسام الغمري: «الاختيار» حطم صورة الإخوان أمام العالم (فيديو)    هدير.. طالبة التمريض التي ودّعت حلمها على الطريق الإقليمي    عماد الدين حسين: إيران وحدها من تملك الحقيقة الكاملة بشأن ضرب المنشآت النووية    عمرو أديب عن حادث المنوفية: «فقدوا أرواحهم بسبب 130 جنيه يا جدعان» (فيديو)    اعرف فوائد الكركم وطرق إضافتة إلي الطعام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بقايا كل شيد
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 10 - 2013

طفاية سجائر.. هذا كل ما تبقي فجأة وجدت نفسي وحدي.. كل من كان وما كان معي قد اختفي.. تلاشي فجأة خرج من الباب أو من النافذة.. لا أعرف فقد امتدت يد الظلام وسحبت المصابيح والمقاعد والمناضد.. وكل ما بقي هو طراطيش كلام في أذني.. وبقايا روائح وعطور وعرق وسجائر وزكام في أنفي.
وفي الظلام تلمست طفاية سجائر كانت أمامي.. فيها بقايا سجائر طويلة أطفئت بسرعة.. وسجائر أطفئت علي مهل.. وسجائر سحقتها أصابع عصبية.. عليها أحمر شفاه.. عليها نار وليس لها دخان.
هذه السجائر التي أمامي أعرف كيف لقيت مصرعها واحدة واحدة هذه السجائر الطويلة رأيتها وهي تموت في شبابها.. رأيت يدا غليظة تدفنها حية.. إنها سيجار صديقي الذي مالت عليه زوجته تهمس في أذنه.. وكلما تعالي الهمس زاد ضغط أصابعه علي هذه السجائر الطويلة.. لقد أنكر أنه يعرف من الذي طلبه في التليفون عدة مرات ولم يشأ أن يرد عليه أو عليها.. ولكن زوجته مصرة علي أنه يعرف. وأن التي طلبته هي خطيبته السابقة وأنها رأتها منذ أسبوعين قريبة من البيت وأنها سمعت وأنها وأنها.. وتحطمت السيجارة تحت أصابعه.
خنقها.. وأدها.. كما كان يفعل العرب في الجاهلية.. كانوا يئدون البنات خوفا من الفضيحة.
وهذه السيجارة تركها صاحبها تشتعل دون أن يقربها.. إنه يجد لذة في تعذيب الآخرين.. يراها ولا يلمسها.. يحرقها ولا يطفيء نارها.
لقد أخرجها من جيبه بأناقة وأشعلها بعناية.. وتركها هناك بهدوء وراح يتفرج عليها بلذة.. إن صديقي هذا يحاول الإقلاع عن التدخين.. لذلك فهو يشتري السجائر ويشعلها ولا يدخنها.. وإنما يضعها علي حافة الطفاية.. علي حافة الهاوية.. إنه تعب من التدخين.. إنه كالرجل الذي تعب من اللهو.. تعب من عشرة النساء.. تعب.. فهو يتفرج بلذة المنتقم الشامت. وصديقي هذا يحاول أن ينتقم من مئات الألوف من السجائر التي لسعت شفتيه وأحرقت حلقه ومزقت صدره وصبغت بالصفار أصابعه.. وهذه السيجارة دخنها صاحبها بسرعة.. وأشعل منها سيجارة أخري.. أنها بزازة في فم طفل يرضع الهواء.. يموت إذا ابتعدت عن فمه..
وهذه السيجارة عصا يتوكأ عليها الكلام عندما يخرج من فم هذا الصديق.. إنه لا يتكلم إلا وهي في فمه.. إن كلامه دخان في الهواء.. أو دخان كلام في الهواء.
حياتنا كلها سجائر.. متشابهة.. هذا يدخنها علي مهل.. وهذا بسرعة.. وهذا يتفرج عليها.. وهذا يحرقها وتحرقه.. تمزق صدره ويسحقها.. السجائر تنتهي في أفواهنا أو نحن الذين ننتهي عند أطراف السجائر.. نحن الذين ننقلها بأصابعنا إلي الطفاية.. أو هي التي تنقلنا.
لا أعرف ماذا كنا نقول.. تكلمنا كثيرا.. ولكن ماذا قلنا؟
لا شيء.. ناقشنا كل مبدأ وكل مذهب في السياسة والاقتصاد والأدب والنقد.. ولم نتفق علي شيء.. كأننا نتكلم بلغات غير معروفة.. فكل واحد قال ولم يسمعه أحد.. كنا ننظر إلي شفتيه لنعرف إنه يتكلم.. فإذا أطال إطباق شفتيه عرفنا أن المدة المخصصة للكلام قد انتهت فيتكلم بعد ذلك الذي بجواره.
كأننا كومبارس ننتظر أحد الأفلام.. كأننا ست شخصيات تبحث عن مؤلف.. كأننا ست عارضات للأزياء ولا تنقصنا إلا الدار التي نعمل فيها.. كأننا ست سجائر أشعلت وتركت لكي تخمد أنفاسها بنفسها.
كل فكرة قيلت أخمدت في الحال.. كل فكرة اشتعلت ودخلت رأسي أنطفأت في الحال.. كل الأفكار أسمعها ولا أكاد أفكر فيها حتي أسمع لها صوتا واحدا: طش.. وهذا صوتها وهي تنطفيء في رأسي التي هي بحيرة راكدة أو طفاية سجائر مليئة بالماء.
جلسنا وتكلمنا وأطفأنا سجائرنا.. وأنطفأت فينا أفكارنا.. وقام فأر السبتية بمهمة مدير المسرح فأنزل ستارا أسود وبدأنا نخبط ونتخبط..
تماما كأننا في مسرحية بدأت من آخرها فنزل الستار وسمعنا الدقات التقليدية, للمسرح.. ودخلنا في مسرحية عقيمة نسمع فيها ولا نري.. والذي نفهمه لا يقنعنا ولا يعنينا.. وكل محاولة للكلام أخمدت فورا.. وكل محاولة لاستئناف الكلام هي محاولة لإشعال عقب سيجارة مبللة.. ومددت يدي إلي طفاية السجائر كأنني طفاية أمسكت طفاية.. ومن أعقاب كل شيء لففت هذه السيجارة التي قرأتها!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.