تهل علينا اليوم وعلي الأمة الإسلامية فرحة عيد الأضحي المبارك التي تقترن بفريضة الحج. ويزخر التراث الشعبي المصري بصور بديعة تحكي كيف يستقبل الأهل بمصر العيد بالفرحة والابتهاج. وفي هذا السياق يتحدث للملحق الثقافي الشاعر مسعود شومان رئيس الإدارة المركزية للبحوث والدراسات بهيئة قصور الثقافة, مشيرا إلي الصور المبهجة التي تواكب فرحة العيد حيث تبدأ السيدات في ترتيب البيوت وتزيين حجرات الاستقبال وإعداد أواني الطهي, كما تستقبل بعض الأسر العيد بقراءة القرآن من خلال بعض المقرئين كنوع من العبور إلي زمن آخر يستهله المصري بآيات الذكر الحكيم. ومنذ اطلالة العيد تبدأ عبارات التهنئة بين الأقارب والأصدقاء والجيران, وكذا يقوم الإخوة المسيحيون بتبادل التهنئة مع المسلمين, وتكثر الزيارات خاصة في الريف. ومن أهم المظاهر الجمالية عند المصريين ما يتعلق بفن جداريات ورسوم الحج, فقد برع المصريون في توثيق الحج بداية من الإعداد لها, فضلا عن الكتابات الخطية التي تعد توثيقا لرحلة كل حاج وتكثر في ريف مصر حيث تعكس مظاهر الابتهاج بالحاج والترحيب والتهنئة بسلامة وصوله. ويقول شومان ان عناصر وسمات الفن الشعبي حاضرة كما نراها في الرسوم الجدارية المتعلقة بالحج أو بتزيين البيوت وبفن الأيقونة فكلها تجمعها مجموعة عمق الثقافة المصرية. وعن بعض العادات التي تلازم ذبح الأضحية, يقول شومان, من العادات التي لازمها الاستمرار عادة تلطيخ جدران المنزل أو واجهته بدماء الأضحية اعتقادا بأن الدماء لها القدرة علي منع الحسد وإذا كانت هذه العادة مازالت مستمرة في الريف وبعض المناطق الشعبية الحضرية فإنها قد اندثرت بين الطبقات العليا والوسطي الحضرية حيث تعتبرها نوعا من التقاليد المتخلفة. وترتبط هذه الممارسة في التراث الشعبي بالخمسة وخميسة. وفيما يتعلق بتوزيع الذبيحة فإنه يتم تقطيعها تمهيدا لتوزيعها ويحدث ذلك في بعض المناطق الحضرية ومازالت عادة توزيع جزء من الأضحية علي الأقارب والفقراء وقد يوزع جزء من الذبيحة علي الجيران المقربين ويعد الرقاق الذي يستخدم في عمل الصواني أحد أصناف الطعام الرئيسية في العيد, كذلك الفتة من الأكلات الرئيسية والسمات الثقافية السائدة في عيد الأضحي ويفضل البعض شواء اللحوم منزليا. ومن الأغاني النسائية التي تصف الكثير من المشاهد والمواقف التي يواجهها الحاج التي تحمل العديد من المعاني والرموز الدينية, وتعني التمني بعودة الحاج إلي أهله وذويه, ويعرف هذا الجنس الأدبي باسم( حنون الحجاج).. والقاعدة هذه في حرم النبي محبة جماعية ياعيني في حرمك يانبي يا فاطمة يا بنت نبينا افتحي البوابة با فاطمة.. أبوكي دعينا يا فاطمة يا فاطمة يابنت التهامي افتحي البوابة يا فاطمة.. أبوكي دعاني.. رايحة فين يا حاجة يا أم الشال قطيفة رايحة أزور النبي محمد والكعبة الشريفة رايحة فين يا حاجة يا أم الشال سماوي رايحة أزور النبي محمد وارجع ع القناوي وعن العيد في ذاكرة مصر القديمة يقول د. بهاء حسب الله بآداب جامعة حلوان اكتسب عيد الأضحي خصوصية شديدة في ذاكرة مصر القديمة علي مستويات عدة وطبائع مختلفة من أهمها المستوي الاجتماعي والديني والأدبي والثقافي بصفة عامة, باعتبار أن مصر منذ تاريخها الإسلامي القديم منذ الدولة الطولونية ومن بعدها الدولة الفاطمية ثم الأيوبية وأخيرا المملوكية, عرفت معني الاحتفالات ذات الطابع الخاص لاعتبار مهم وهو أن هذه الدول مجتمعة أعطت مصر شكلا متميزا في عاداتها وتقاليدها وصور احتفالاتها الخاصة بالأعياد وانعكس ذلك بطبيعة الحال علي أدبها وفي شعرها, ويضيف د. بهاء أن الاحتفالات بأعياد الأضحي, كانت تأخذ أشكالا تعبيرية شديدة الخصوصية والأثر في تلك الفترة لكونه العيد الذي يأتي تناغما مع رحلات الحج إلي بيت الله, ولذلك كان الناس يحرصون في ليلة العيد أن يعلقوا الزينات والقناديل علي المساجد والبيوت إيذانا باحتفالات العيد, ويقول ابن بطوطة في كتابه( الرحلات).. ان أهل مصر كانوا يعلقون القناديل علي المساجد في ليلة الأضحي من أجل تعريف الناس بأن هذه الليلة هي ليلة العيد, وتبدأ في نفس الليلة في كل مساجد مصر خاصة المساجد الكبري الأحتفالات بالتكبير والتهليل علي سنة النبي الهادي( صلي الله عليه وسلم) وتستمر حتي الصباح.. وبمجرد أن تعلق الزينات علي المساجد ايذانا باحتفالات العيد حتي تبدأ الحمامات الشعبية في استقبال المحتفلين باطلاق المباخر ونشر العطور واستقدام المغنيين من باب البهجة بمطلع العيد. ويقول د. بهاء كان الخلفاء والسلاطين يبالغون في الأحتفالات بعيد الأضحي خاصة في العصر الفاطمي وفي توزيع الصدقات علي الفقراء والمحتاجين وكان يشاركهم الشعراء للأحتفال معهم. وعن عادات المصريين في ذلك اليوم السعيد كما يقول المقريزي كانوا في صبيحة عيد الأضحي ويطوفون شوارع القاهرة والاسكندرية( بالخيال والتماثيل والسماجات) والخيال هو لعبة خيال الظل المضحكة التي تحولت مع الزمن إلي لعبة الأراجوز المعروفة والسماجات يقصد بها الملابس التنكرية المضحكة. والجميل في هذا العيد وكما يقول الباحث د. سعيد عبدالفتاح عاشور أن المصريين جميعا كانوا يحتفلون بهذا العيد, مسلمين ومسيحيين علي حد سواء فيذبحون الأضاحي, ويصنعون الحلوي ويتبادلونها في شكل الهدايا ويخرجون معا إلي الحدائق وأماكن التنزه, كما كانت تقام في تلك الأيام المنتديات والمجالس الأدبية التي يتباري فيها الشعراء في الحدائق العامة ويتنافسون ويحتكمون إلي الخلفاء أنفسهم الذين كانوا يشاركون الناس فرحتهم بعيد الأضحي, وكذلك علماء اللغة وكبار النقاد والمبدعين في زمانهم وحتي شيوخ الأزهر آنذاك