كثيرا ما تخدعنا المظاهر السطحية للأشياء.. فنتصور الحسن قرينا للخير وقبح المنظر قرينا للقسوة.. وهذا خطأ فادح.. كانت هند بنت عقبة قبل دخولها الإسلام امرأة ذات حسب ونسب في قريش.. تعيش حياة ناعمة مرفهة... ولم يتصور أحد أن تصل القسوة بهذه المرأة أن تؤجر من يقتل سيدنا حمزة عم الرسول صلي الله عليه وسلم ثم تشق صدره وتنزع قلبه بيدها ثم تأكله نيئا!! هذا تصرف الوحوش رغم انه يصدر عن امرأة منعمة. وفي حياة الوحوش البرية صورا للرحمة والرفق والأمومة تدهش من يراها.. تلك القيمة المهمة يغرسها مسرح متروبول للأطفال من خلال عرضه الأخير الجميلة والوحش من إعداد وأشعار ناصر محمود عن القصة العالمية التي قدمت في فيلم كارتون مبهر قبل سنوات يحمل نفس العنوان.. وأخرج المسرحية الفنان محمود حسن مستعينا بموسيقي رائعة لهشام طه وديكور وملابس تلائم طبيعة العرض في حدود الإمكانيات المادية لشادي فرحات وإضاءة وليد مصطفي تحت إشراف الفنانة القديرة عزة لبيب التي قررت تقديم استقالتها من إدارة المسرح احتجاجا علي وزير الثقافة الإخواني في فترة حكم الرئيس السابق( خيرت الشاطر وشركاه) والشئ العجيب أن تقبل استقالتها بكل ترحاب بعد ثورة30 يونيو.. وكأن الدولة البيروقراطية تعاقبها علي موقفها الثوري!! لكنه عرض يشهد برقي مستوي مسرح الأطفال ونجاحه رغم الظروف الصعبة في أن يستمر جاذبا جمهوره مؤديا رسالته في غرز القيم الأخلاقية والإنسانية داخل إطار من الفن المحترم الجميل وفي البداية تجدر الإشارة إلي وجود معد درامي وشاعر علي درجة كبيرة من الموهبة وخفة الظل والقدرة علي التعبير ببساطة وعمق.. وان كان طول زمن العرض قد أثر كثيرا بالسلب علي تجاوب المشاهدين من الأطفال. وكان بإمكان محمود حسن عمل مونتاج لمشاهد كثيرة لا تفيد في نقل الحدث أو إضافة معني جديد وأغلب الظن أن نجوم مسرح الطفل قد بالغ بعضهم في تطويل دوره عن طريق الارتجال وتأليف الإفيهات من خارج النص. وكان هذا واضحا في مشاهد سيد جبر الذي أدي دور المخترع الفقير والد الفتاة الجميلة الحكيمة. وكذلك محمد الشربيني الذي لعب دور الطبيب بافتعال غير مبرر وأجاد هشام المليجي بطل العرض في تقمص حركة وصوت وانفعالات الوحش بشكل كوميدي محبب لا يثير فزع الأطفال خاصة مع وجود قناع يشوه وجهه في مرحلة الوحش المسحور.. كما أحسن فهم الشخصية المعاندة المتكبرة للوحش والتي حبسته في جلده القبيح وقصره الكبير دون أن يعطي نفسه الفرصة لإظهار جماله الداخلي.. كما تألقت مروة عبد المنعم في دور الجميلة الراقية التي لا تؤذي شعور إنسان أو حتي وحش.. بل يمكنها بالحب أن تكتشف جذور الخير في أعماق الوحش القبيح شكلا.. وأجادت كذلك الفنانة زينب وهبي في دور الساحرة التي جعلها الغضب تصب لعنتها علي الأمير وتحوله الي مسخ.. كما أجاد عادل الكومي تجسيد دور جاستون الرجل الوسيم الشرير الذي يريد أن يتزوج الجميلة رغما عنها لمجرد العناد والتكبر وعدم قبول فكرة ان يكون غنيا وجميلا ثم يرفضه احد.. شارك في العرض حسن يوسف المدير الجديد لمسرح متروبول في دور رجل الساعة ووائل إبراهيم الطاهي الفرنسي المتعجرف علي طريقة عبد السلام النابلسي ومحمد سلامة مساعد الطاهي الذي تحول الي مقعد وهناء سعيد المربية التي صارت دولابا للصحون.. كما اثبت منصور عبد القادر امتلاك جاذبية خاصة بينه وبين الأطفال وهو ما لاحظته من قبل في أدائه لعدة ادوار منها دور الحمار في مسرحية غابة الأصدقاء علي ما اذكر- آخر ما قدمه الراحل العظيم عمر الحريري علي خشبة نفس المسرح.. والحقيقة إن مسرح الاطفال يحتاج الي دعم خاص من البيت الفني ومن وزارة الثقافة بأسرها لحماية تجربة ورشة الأطفال المبدعين والحرص علي استمرارها مع الاستعانة بالفنانة عزة لبيب صاحبة التجربة لتستمر في تدريب الاطفال وصقلهم لاكتشاف مواهب جديدة وأيضا لتنمية الذوق العام لأولادنا.