ربما تكون جمهورية التشيك في وضع لا تحسد عليه سياسيا واقتصاديا يمنعها من لعب أي دور واضح دوليا أو أوروبيا لكن رئيسها ميلوس زيمان اعتقد مؤخرا أن له دور مؤثر خارج نطاق قارته وأثارت الخطوة الأخيرة التي أعلنها زيمان بعزمه نقل مقر سفارة بلاده من تل أبيب إلي وسط مدينة القدسالمحتلة, حالة استنكار ورفض وغضب فلسطيني وعربي وإسلامي كبير, لما تندرج عليه تلك الخطوة من مخاطر في التعدي علي القيم السياسية والدينية وبمساس غير مقبول بالمدينة المقدسة. وصحيح أنه بشكل أو بآخر فإن هذه الخطوة تعد انتهاكا صارخا للمواثيق الدولية وتحدي لمفاوضات السلام, لكنه بالرجوع إلي تاريخ العلاقات بين براج وتل أبيب فإن هذا الموقف ليس بغريب علي التشيك وقد لا يستدعي بالتالي أي استياء. والحقيقة أن زيمان لم يكتف بهذا التصريح خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل بل استطاع أن يكون' ملكا أكثر من الملكية' مطالبا باستيعاب الفلسطينيين كعاملين في الدول العربية بدلا من مطالبتهم لحقوقهم الأساسية بالعودة لبلادهم واستردادها. ويري زيمان أن هذا هو الحل الأمثل للقضاء علي ازدحام المخيمات والهجمات الإرهابية بعد أن يتم توزيع الفلسطينيين علي الدول العربية المجاورة وانشغالهم بالعمل, وذهبت تصريحاته إلي أكثر من ذلك, حيث كشف أنه اقترح قبل سنوات علي رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت نقل مقر سفارة بلاده من تل أبيب إلي القدس, إلا أن إسرائيل أحبطت ذلك في حينه بادعائها عدم وجود مبني فارغ في القدس لهذا الغرض. وطبعا سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه المرة بتأكيد مشاعر الود والامتنان المتبادل ووصف التشيك بأنها أقرب دولة أوروبية لإسرائيل وأفضل أصدقائها في القارة, بل أبدي استعداده لتقديم بيته الشخصي في القدس ليكون مقرا للسفارة,. وفي المقابل, سارع من جانبه صائب عريقات, عضو اللجنة المركزية لحركة' فتح' وكبير مفاوضي السلطة بإدانة القرار واعتبر أن من شأنه أن يدمر عملية السلام بالكامل, ويوصل المفاوضات التي تجري بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لطريق مسدود ولا أمل منه. وبدوره, رفض الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلي, تصريحات رئيس التشيكي معتبرا أن هذا المقترح الخطير يخالف القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. وانتقد كذلك نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية القرار بشدة مهددا بمقاطعة الجامعة للتشيك بناء علي القرار الصادر عن قمة عمان بالأردن الحادية عشرة عام1980 بقطع العلاقات مع الدول التي تعترف باسرائيل أو تنقل سفارتها إلي القدسالمحتلة. ولكن تصريحات الرئيس التشيكي ليست غريبة عليه وهو الشخص الذي كان يصف الزعيم الراحل ياسر عرفات بالرئيس النازي هتلر. وبالرجوع قليلا للوراء, فلا ينسي أحد عندما وقفت جمهورية التشيك بالصوت الأوروبي الوحيد, إلي جانب الولاياتالمتحدة وست دول أخري فقط, الرافض لمشروع قرار يرفع تصنيف الفلسطينيين إلي دولة غير عضو بالأممالمتحدة العام الماضي من بين138 عضوا بالجمعية العامة للأمم المتحدة صوتوا بنعم. وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو وجود حكومة تنتمي الي يمين الوسط أبعدت نفسها عن السواد الأعظم من الأوروبيين بشأن قضايا من الدبلوماسية والأمن وصولا إلي السياسة الاقتصادية حيث دائما ما تنحاز إلي جانب واشنطن بدلا من شركائها في الاتحاد الأوروبي. وتقارن التشيك وضع إسرائيل بوضع تشيكوسلوفاكيا السابقة التي فقدت أراضي لصالح كل من ألمانيا وبولندا والمجر خلال الحرب العالمية الثانية, كما أن إسرائيل لا تنسي دور تشيكوسلوفاكيا السابقة لمنحها إياها اليد العليا في الحرب عام1948 عندما كسرت براج حظرا فرضته الأممالمتحدة وأرسلت أسلحة لإسرائيل بينها80 طائرة ودربت طيارين بينهم عيزر فايتسمان الذي أصبح فيما بعد رئيسا لإسرائيل. ويقول خبراء أيضا إن موقف الحكومة التشيكية الموالي لإسرائيل قد يكون أيضا استجابة لمحاولتها التخلص من إرث النظام الشيوعي التشيكي الذي قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بعد حرب عام.1967 ولذلك ومنذ سقوط الستار الحديدي عام1990 استأنفت براج علاقاتها بقوة مع تل أبيب وتساندها دائما في هجماتها علي الفلسطينيين معتبرا أنه من حقها الدفاع عن نفسها. ومن هنا يبدو أن الرئيس لتشيكي قد أساء فهم الأسس التي تبني عليها مفاوضات السلام التي استؤنفت مؤخرا والتي تقتضي في الأساس اعتراف إسرائيل باحتلال الضفة الغربية وشرق القدس وهذا الاحتلال كان ومازال واقع أمر ترفضه الأممالمتحدة والمجتمع الدولي منذ سنوات طويلة. ولذا فإن الفلسطينيين لا يجب أن يعيشوا في بلادهم كأقلية ولا يجب عليهم ان يغادروا بلادهم ولو طواعية ولا حتي في سبيل البحث عن عمل. ويجب أن يتذكر الرئيس التشيكي أنه لا توجد دولة في العالم باستثناء إسرائيل تعترف بالقدس عاصمة للدولة الإسرائيلية وبالتالي فإن اي خرق لهذا الإجماع لن يساهم في إقرار سلام عادل في الشرق الأوسط. ولا يستطيع زيمان أن ينكر أيضا أن العديد من الجهات مازالت تواصل ضغوطها علي إسرائيل ويدعمها في ذلك الكثير من المواطنين الإسرائيليين. وحسب تعبير المؤرخ الشهير الإسرائيلي إيلان بابي فإن موقفا مماثلا لموقف زيمان يدعو إلي التطهير العرقي لفلسطين, وفي العالم العربي, وهذا غالبا ما ينظر إليها علي أنها استمرار للمشروع الغربي من الاستعمار.