سبحان من خلق هذا الجمال المضني, وهؤلاء البشر الضارين المتضاربين. سبحان من أبدع رضوي. جاءت في كتابها الحزين بأكثر البسمات إشراقا وإيمانا بالابتسام. حين تحكي رضوي عاشور في عملها الجديد أثقل من رضوي: مقاطع من سيرة ذاتية, حين تحكي في تلك المقاطع القاطعة كسكين, كمشرط جراح بارد في غربة شتوية, علي بعد آلاف الأميال من وطن يثور, تلك المقاطع الموجعة كطابور طويل من أسماء الشهداء, حين تحكي كل هذا وأكثر في مقاطعها, ومخها المبدع الجميل ينهش نفسه طوال الوقت, فإني أفهم مغزي العنوان... أثقل من رضوي مثل ضربه العرب في الثبات والرسوخ, إشارة إلي سلسلة جبال بالقرب من المدينةالمنورة بها جداول ماء وشعاب وأودية, ووعول وغزلان, تحلق في أرجائها النسور والصقور والقطا والحمام..( ص6). حقا, نفسك يا رضوي بهذا الغني والحنان والرسوخ, طود إنساني قادر علي حمل الجبال. تحملين وطنك ومرضك ووحشية ابن آدم والداء والدواء, بوجه مبتسم وحضن متسع لبني الإنسان, حتي أن البلطجي الذي هاجمك في حرم الجامعة والذي يبدو عليه أثر لشلل أطفال قديم يثير شفقتك في نفس الوقت الذي يثير فيه اشمئزازك وغضبك( ص12). وحين تقصين عن ذاتك فأنت تقصين عن أهلك وأحبائك, عن أصدقائك الكثيرين, عن وطنك الممتد من جرح في رأسك في مستشفي بواشنطن عبر الأقمار الصناعية إلي ميدان التحرير وماسبيرو والعباسية والاتحادية وميدان الشون ومسجد القائد إبراهيم, وشجرات شعر البنت المائلة علي ترع النيل تطلب السقيا وتملأ زلعة الأمل.. مقاطع من سيرة ذات ذائبة في المجموع, تحمل أحلام وآلام وأفراح المجموع. الذات الجمعية تلهمها وتحتوي جراحها الشخصية, وإن كانت تسقيها الشجن من حين لحين, لكنها أيضا تمنحها النشوة والدفء. حتي حين يكون طعم القاهرة حزينا, فإن شحنة التفاؤل الساذج البريء المبتسم لطابور الشهداء صغار السن, هذا الابتسام المعدي, وهذا الإيمان غير العقلاني وغير الفلسفي وغير العلمي, يشحن روحها الموجعة, المتوجعة في السر فهي نادرا ما تفصح, المثقلة بعبء السنين, وجسدها الثقيل المعاند التي تجعله خفيفا قوة إرادتها, ويتلقي شحنة الجمال من لدن الشباب المستشهد, فتقول رضوي عن الحياة والموت: الحياة تؤطر الموت. تسبقه وتليه, وتفرض حدوده. تحيطه من الأعلي والأسفل, ومن الجانبين... وعن نفسها: حين يراودني اليأس أقول لنفسي لا يصح ولا يجوز, لأنني من حزب النمل, من حزب قشة الغريق. أتشبث بها ولا أفلتها أبدا من يدي. وعن هذا الوطن تقول رضوي في ختام كتابها: .. إننا, كل أسرتنا, لا أعني أنا ومريد وتميم وحدنا, بل تلك العائلة الممتدة من الثوار والشغيلة, والحالمين الذين يناطحون زمانهم, من حزب العناد, نمقت الهزيمة(..) هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة, ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا. ** الكتاب يوميات غير متصلة( مقاطع من يوميات) تبدأ في أغسطس2010 وتنتهي حين تضع رضوي القلم إلي حين- في9 مايو2013, وفيها تختلط المقالة بالحكي والذات بالمجموع والتاريخ بالجغرافيا بالفن التشكيلي, تختلط بامتزاج وتأتلف وتأتلق في عمل كأنه مغني, وتخرج منه رضوي في فستان الطفولة تتأمل النيل من شرفة البيت القديم, بيت أبيها الذي كان يهوي الأدب, والأم التي كانت ترسم وتكتب الأشعار.