هل من المتوقع أن تقوم الحكومة بفرض التسعيرة الجبرية بعد كل هذا الضجيج المثار حولها؟! قبل الاجابة عن هذا السؤال هناك تساؤل أكثر أهمية والحاحا وهو.. هل التسعيرة الجبرية سوف يكون لها مردود ايجابي علي الأسواق؟ وهل تؤدي إلي خفض الأسعار أم أنها سوف تخلق سوقا سوداء ونعود إلي عصر تهريب السلع مرة أخري؟! بداية فان كل دول العالم المحترمة لابد أن تكون بها قواعد وضوابط, ولا يمكن ترك الأمور هكذا بلا رابط أو ضابط كما يحدث في مصر, ومن هنا أتفهم صدمة اللواء محمد أبو شادي وزير التموين وهو يحاول جاهدا السيطرة علي الأسواق, خاصة حينما اكتشف أن هناك بعض التجار يغالون في أرباحهم لتصل إلي005% في سابقة غير موجودة في أي دولة من دول العالم, فجاءت فكرة فرض التسعيرة الجبرية علي بعض السلع وتطبيق القانون بحسم علي المخالفين حيث تصل العقوبة إلي الحبس من سنة إلي خمس سنوات, والغرامة من ألف إلي خمسة آلاف جنيه في حالة مخالفة التسعيرة والغش التجاري. برغم أهمية هذا الكلام ومعقوليته فإنه علي الجانب الآخر تظل التسعيرة الجبرية تجربة ثبت فشلها مرات ومرات, ولم ينتج عنها سوي خلق السوق السوداء, وتربح البعض منها الملايين علي حساب المواطنين البسطاء, والمشكلة الآن أن كل السلع التي تريد الحكومة فرض التسعيرة عليها ينتجها القطاع الخاص تقريبا وليس كما كان يحدث سابقا حينما كانت الدولة شريكا في الإنتاج, وبالتالي يظهر سؤال آخر هل سيتم فرض التسعيرة مرتين الأولي علي المنتج والثانية علي التاجر أم يتم فرضها مرة واحدة علي التاجر فقط, وماذا سيفعل الأخير إذا جاء السعر من المنتج أعلي من التسعيرة الجبرية المحددة؟! هذه الأسئلة وغيرها لابد أن تضعها الحكومة أمامها قبل أن تتخذ قرارها النهائي بشأن التسعيرة الجبرية حتي لا يكون حبرا علي الورق وغير ذي فاعلية تذكر علي أرض الواقع. تحركات وجهود اللواء محمد أبوشادي مشكورة, لكنني مشفق عليه لأنه يتحمل أخطاء غيره, فالتموين وزارة انتهت في العديد من دول العالم, والأمل كل الأمل أن نحذو حذو هذه الدول وتختفي التموين من التشكيلة الحكومية بعد أن تستقر حالة الأسواق, ويتضاعف الإنتاج, وترتفع الدخول إلي المستويات اللائقة, ووقتها لن نحتاج إلي وزارة تموين لكننا فقط سوف نحتاج إلي تفعيل آليات وزارة التجارة بشأن حماية المستهلك من التلاعب في الأسعار والغش والاحتكار, وهي آليات كافية جدا لضبط الأسواق إذا تم تطبيقها بكل شفافية ووضوح. بعيدا عن الأحلام والأمنيات فالحقيقة المؤكدة أننا مازلنا ولعدة سنوات مقبلة نحتاج إلي وزارة التموين لمواجهة احتياجات الأسر الفقيرة وتوفيرها من خلال البطاقات التموينية, بالإضافة إلي مراقبة وضبط الأسواق والتدخل وقت اللزوم لإعادة الأمور إلي نصابها. إعادة الأمور إلي نصابها الصحيح تحتاج إلي جهد متكامل من الحكومة وليس من وزارة التموين وحدها, ومن الغريب مثلا أن تعلن وزارة الزراعة وبكل فخر كما كتب الزميل محمد غانم في الأهرام يوم الخميس الماضي أنها تعاقدت لأول مرة علي استيراد051 طنا لحوما أوروبية من المجر لمصلحة قطاع الإنتاج بهدف طرح اللحوم الطازجة خلال أيام عيد الأضحي المبارك بنحو54 جنيها للكيلو جرام, وغرابة هذا الأمر أن وزارة الزراعة تقوم بالاستيراد بدلا من دورها الحقيقي في الإنتاج فهي التي كانت تتولي إنتاج اللحوم من خلال مشروع البتلو إلا أنها انصرفت عن ذلك لتتحول إلي الاستيراد,. وهو ما يجب التوقف أمامه لأنه لن يكون هناك انضباط في الأسعار مادام الإنتاج المحلي من السلع والخدمات متراجعا, وهذا هو مربط الفرس كما يقولون: فالحديث لابد أن يكون علي زيادة الإنتاج أولا والتوسع فيه ثانيا وتحسين جودته ثالثا إذا كانت الحكومة جادة في النهوض بالاقتصاد, أما إذا تحولت وزارة الزراعة إلي استيراد اللحوم, والصناعة إلي استيراد الملابس والسلع الأخري, والبترول إلي استيراد الطاقة, فان الحديث عن الأسعار وضبطها يصبح كمن يحرث في البحر. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة