لو أن هناك باحثا في علوم الإنسان قام بدراسة كيفية اختيار المصريين لقادتهم علي مر العصور بداية من حور محب وحتي عبد الفتاح السيسي سيجد أمرا شديد الغرابة, حيث كان الاحتشاد التلقائي هو الأسلوب الأساسي لاختيار المصريين لقادة أحلامهم. التوغل بين دهاليز التاريخ والوقوف مع من كان عبير أفكاره ريحانا وورود شجاعة نضرة لا تذوي, وهو قائد الجناح حسين ذوالفقار صبري صاحب التاريخ النضالي فيما قبل ثورة يوليو1952, ونائب وزير الخارجية الذي اعاد تأسيس هذا الموقع المهم في تاريخنا المعاصر, وصاحب كتاب يانفس لا تراعي بعد هزيمة يونيو1967 الذي رصد خطواتنا العشوائية التي أسهمت في صناعة تلك الهزيمة, هذا المفكر النادر الذي رصد حكاية قائد الجيش حور محب. وكان حور محب معجزة مصرية أنقذت مصر من مجتمع الكهنة العفن, ونقل جوهر حكم مصر من طيبة إلي منف, وأعاد بناء الدولة المصرية التي ترهلت. وكان حسين ذوالفقار صبري يحلم بوجود حور محب معاصر, يتحتشد له المصريون كما احتشدوا لفرعون مصر وقائد جيشها في قديم العصور. وإن تركنا الحشد المصري الفرعوني الذي نصب حور محب, وجئنا إلي احتشاد المصريين جيشا وشعبا تحت قيادة أحمد عرابي, سنجد في هذا الحشد ما أجبر خديوي مصر توفيق علي الاستسلام لشروط عرابي ليلعب ضده بعد ذلك, بأساليب لم يكن عرابي مؤهلا لمواجهة أساطيل الإنجليز وقدراتهم لاحتلال مصر. وإن جئنا لثورة1919, فتنصيب سعد زغول كزعيم لهذا البلد تم بالحشد أساسا ولم يقم بإنتخابات وصناديق. وإذا وصلنا إلي جمال عبد الناصر سنجد أن اختياره زعيما لمصر لم يكن ابن انتخابات أو استفتاءات, ولكنه كان لقدرته علي قراءة خريطة أحزان واحلام المصريين فدشنوه زعيما لا ينازع بعد أن نطق بقرار تأميم قناة السويس, واجتمعوا حوله بعد إنتصاره علي العدوان الثلاثي في الثاني وعشرين من ديسمير عام.1956 وحين تلقي عبدالناصر هزيمته المريرة في يونيو1967 لم يتركه المصريون ليذهب وحيدا بل كان الحشد التلقائي هو وسيلتهم لتثبيته في موقعه كقائد لإعادة بناء جيش من مليون شاب مصري هم من خاضوا حرب التحرير بعد ذلك بسنوات. وطبعا ودع المصريون عبدالناصر في الثامن والعشرين من سبتمبر عام1970, ولم يحتشدوا تأييدا للسادات في أي مناسبة اللهم إلا الاحتشاد ضده فيما سماه هو انتفاضة الجوع, وعندما تولي مبارك الحكم استمرت الرأسمالية في التوحش دون أن تنتبه إلي حتمية مجئ الطوفان, وليس من المستغرب أن نصل إلي رؤية ما تبادله كل من أقطاب المال بالحزب الوطني السابق وأقطاب المال بجماعة الإخوان المسلمين الآثمة من نفوذ لدي فرق البلطجية في عموم مصر, وهي فرق أنتجها العوز والهامشية. وللأسف عاني هؤلاء شظف الحياة بعيدا عن حلم صيانة, واستمروا وقودا بعد عجز الواقع عن إستيعابهم بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير, ولم يجدوا أمامهم سوي خدمة أقطاب الثروة اللمتسترة برداء التأسلم والتابعة لأجهزة المخابرات الأمريكية والتركية والقطرية وياللأسف علي إهانة أي مصري عندما يري دورا لمثل مخابرات تلك الدويلة التي كان ضمن أجدادها حاكم تنازل عن حكم إمارته مقابل أن ينال توكيل شركة مياه غازية وشركة إنتاج سجائر فرجينية, جاء أقطاب المتأسلمين ليرثوا نهب مصر عبر ما يقال عنه صندوق الانتخاب, فخرج الحشد لينزع من تربع بسيف الفشل السياسي الجسيم فوق رقابنا, خرج الحشد ليقول له لا ولينزعه ليلقيه بعيدا. ومن نافلة القول أن يكون للمصريين صوت ينادي بترشيح السيسي رئيسا, فيرد هو أن شرف حماية الوطن أعظم من شرف رئاسته, ولكن يظل السيسي هو القائد الذي خرج له الحشد الكاسح يوم السادس والعشرين من يوليو, وسيظل هو القائد سواء أكان في مقعد قيادة الجيش أو مقعد الرئاسة. ولابد له أن نذكر أنفسنا بحقائق أثق انها لم تغب عن السيسي, أولاها أن كل قيادة أرادها المصريون بالحشد كانت تسبق بأفكارها حدود أحلام المصريين, سواء حور محب أو أحمد عرابي أو سعد زغول أو جمال عبدالناصر, أما الفريق السيسي فهو علي يقين أن افكار عموم المصريين سبقته هو شخصيا بالحشد وهي من أمرته, فأطاع. أكتب ذلك وأنا صاحب الأربعة وسبعين عاما, والمؤكد أنه لا توجد لي أحلام خاصة, اللهم إلا حلم وجود العلاج إن دهمني مرض من أمراض الشيخوخة, أكتب ذلك وأنا أعي أن الفريق السيسي يعلم كيف ساعد المصريون بعد هزيمة يونيو في بناء هذا الجيش الذي انتصر, وحافظ قادته علي كفاءته القتالية حتي صار تصنيفه الرابع عشر ضمن جيوش العالم, في توقعات أسوأ المراقبين, وطبعا لا يمكن تجاهل تدهور مستوي حياة عموم الشعب المصري في منحني إشباع الحاجات الأساسية, فضلا عن تدني مستوي إنتاجيته, وإذا ما قبلنا الحقيقة القائلة بأن الجيش المصري يسيطر علي أربعين بالمائة من مقدرات الاقتصاد المصري, وهي مقدرات تعمل علي توفير احتياجات الجيش دون سؤال أحد, ويمكن لجهاز الخدمة الوطنية أن ينشيء معاهد تدريب في المحافظات لإنتاج قوة عمل يحتاجها السوق المصرية أو الأسواق العربية. يبقي بعد ذلك رجاء حار هو أن نوسع أمد القدرة علي إجتياز الظروف الصعبة التي نعيشها فتقرر لجنة الدستور إجراء إستفتاء عاجل لمد الفترة الإنتقالية إلي ثلاث سنوات علي الأقل كي نخرج من عنق زجاجة الحصار الذي قيدنا به أنفسنا بخارطة المستقبل, ولكي نستطيع أن نعيد توزيع الأمل الذي له قدرة علي رفع طاقة الإنتاج في عموم المحروسة, فنحن لن نظل في إنتظار معونات من أهل العروبة الرائعين, ونحن أيضا لن نظل أسري تقديم فروض الولاء للإتحاد الأوربي والولايات المتحدة وكلاهما متعجل لعودة المتأسلمين عبر صناديق انتخاب نعلم مقدما أن جزءا من الخمسمائة مليون دولار التي طالبت الخارجية خصمها من معونة مصر ستذهب كنقود سائلة لمزيد من تخريب هذا الوطن. أيها السادة كفانا رقصا علي إيقاعات التدخل الخارجي في كيفية إدارتنا لأمور مستقبلنا. لمزيد من مقالات منير عامر