ما أن حل الخامس والعشرون من يناير, كان واضحا أن البلاد مقبلة علي حدث جلل, حينها لم يكن أحد يعرف كنه والدليل علي ذلك الضباب والغموض اللذان كانا عنواني المشهد المصري قبل إثنين وثلاثين شهرا. من هنا سارع الأجانب للرحيل, وجاءت الطائرات العملاقة, كل تحمل رعاياها, ومعهم هرعت الاستثمارات هاربة من المجهول واغلقت المنشآت, ولم يكن الأتراك استثناء, ومع هذا فالانصاف واجب, بيد إن كثيرين منهم كانوا آخر من تركوا الكنانة والأسي يملؤهم, وبالعكس فما أن لاح في الأفق بصيص ضوء, كان رجال الأعمال الاناضوليون الذين اختاروا طواعية أن يعيشوا ويستثمروا علي أرض المحروسة, في مقدمة الذين سارعوا بالعودة وفتح مصانعهم رغم الظروف السيئة وغياب الأمن بل وتحلوا تظاهرات واعتصامات لم تخل من ابتزاز ولي ذراع. أقول هذا, بعد أن لبدت الغيوم سماء المتوسط وجغرافيته الزرقاء الحاضنة لشاطئ البلدين, صحيح لم تكن القاهرة الرسمية والشعبية علي السواء, هي البادئة, بل حاولت, ومازالت, ضبط النفس, إلا أن هذا لا يعني أن يطوح الجنوح البعض منا وتأخذه الحمية حتي وإن انطلقت بعفوية, لنقضي علي تواصل شعبي أحيا روابط ضاربة في عمق التاريخ, نعم بدت أنقرة في ظل اردوغان قلقة ومتهورة, غير أن تركيا ليست العدالة والتنمية الحاكم, فرغم الضربات التي استهدفت مبادئ الجمهورية فإنها لم تستطع النيل من الكمالية( نسبة إلي المؤسس كمال أتاتورك), أعظم إنجاز شهدته هضبة الاناضول علي مدي تاريخها الطويل. ولعل صاحب تلك السطور يزعم أنه انتقد مبكرا رئيس الحكومة التركية, غير ان ما يحزن المرء هذا السيل من التعليقات الجارحة التي وجهت للرجل وهي في الحقيقة شتائم, زاد علي ذلك دعاوي مقاطعة كل ما هو تركي. فهل المقصود أن نكف عن قراءة أورهان باموك ويشار كمال؟ وإذا فعلنا ذلك, فكيف يمكننا أن نشطب من ذاكرتنا أشعار ناظم حكمت وموسيقي عدنان سايجون.علينا إذن الترفع وعدم خلط الأوراق فالشعوب هي الباقية والحكام إلي زوال. لمزيد من مقالات سيد عبد المجبد