علمتنا صوادف الأيام وحوادثها أن القائد العظيم ليس هو من يقود الحروب ويفتح الممالك ويكتسح الجيوش , بل هو من يكون بمقدوره أن يجعل الشعوب العظيمة تتآلف وتتماسك ثم تتكامل, فالقادة العظماء هم المؤلفون, فلا أسهل من الهدم ولا أصعب من البناء, وأصعب الصعب هو بناء وحدة القلوب وتهذيب اختلافاتها عن بعضها والتقريب فيما بينها, وأن ما يفرق القادة عن غيرهم أنه بينما يقضي الآخرون أوقاتهم في التباكي علي المشاكل واثارة الغبار في أعين البشر وتكبير الصغائر وسكب المزيد من الزيت علي النار ينشغل القادة بالبحث عن الحلول في تماسك نفسي كبير لا يزعزعه الضجيج من حولهم ولا يربكه المثبطون والمتخبطون ومن سار في ركابهم من الأبواق. لا جديد في زيارة سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي لأرض الكنانة, فالحب بين البلدين كان رائقا في الماضي وهاهو قد اشتد عوده واكتمل بنيانه في الحاضر ولن يكون مستقبله إلا خيرا من حاضره, فالقلوب البيضاء تتآلف وتتعارف, والأرواح المتحابة لا يمكن أن يفسد ودها نزق متعصب أو يفل عروتها حديث مفرق, وكم كان المنظر مهيبا وتلك الألوف المؤلفة من المصريين الشرفاء يخرجون لاستقبال أسد الإمارات ويلوحون بأعلام بلدهم الثاني الإمارات في رسالة للجميع بأن البلدين يقف أحدهما مع الآخر في السراء وفي الضراء, وأن ما يهم مصر بالضرورة أنه يهم شقيقتها الإمارات, وما يقض مضجع أرض الكنانة من البديهي أنه لا يقر له قرار محبيها في دار زايد وخليفة. إنما يحتاج الإنسان وقفة إخوته عندما تكفهر حوله الأجواء, فهناك يثبت الصادقون وحدهم ويعرف المحب الحقيقي من المتملق والمدعي, فعند الرخاء يستوي الجميع فلا يعرف أبيض القلب من داكنه وكما قيل: الجميع يستطيع قيادة دفة السفينة عندما يكون البحر هادئا, حتي إذا هاجت الأمواج وتأزمت الأمور اختفي الممثلون ولم يتبق سوي الذهب الخالص من أفذاذ البشر, وعندما اكتفي الأغلبية بالسكوت كانت الإمارات تعلنها صريحة بوقوفها مع أختها الكبري في خيارها الشعبي المجيد الذي تمخضت عنه ثورة30 يونيو التصحيحية, وعندما زايد البعض علي مصر ولوحوا من خلال برلماناتهم ومهرجيهم بلي ذراع الخيار الشعبي الجديد بوقف المساعدات أو القروض كانت إمارات خليفة تشد أزر أختها وتترجم وقفتها من خلال مبادرتها بالمساعدات الفورية وبتأكيدها الذي نقله سمو ولي عهد أبوظبي أن الإمارات قيادة وشعبا في صف مصر, وأنها الردء الداعم لها في هذه الفترة الحرجة التي يحاول فيها الكثيرون من أعداء أرض الكنانة لتركيعها وكسر إرادتها. عندما يبدأ المذبذبون بالقفز من المركب وينادون بأنه آيل للغرق, يثبت الكبار حتي لا تفتر بقية الهمم وحتي يتيقن الآخرون أن القافزين ليسوا سوي باحثين عن الفوضي لا عن النظام, وطامحين لسلب البسطاء بهجة غدهم لا محزونين علي حق مضاع أو شرف مسلوب, وساعين لزادة الشقة والتصدع في تماسك النسيج المجتمعي لا لترسيخ ما تأثر من دعائم أو تقوض من ركائز أو ما انكسر من آمال, وعندما يتباكي البعض علي أحلام يقظة ويبدأون في نشر ثقافة السلبية في أوصال المجتمع, تكون الحاجة ماسة لقادة من الطراز الرفيع قادرين علي التمييز بين الناقد والناقم وبين التيئيس والنصيحة وبين الخائفين علي حراك المجتمع والخائفين منه, فقد ملت البشرية من المنادين بالرؤي والخطط الرنانة والتي لم تنبت بذورها سوي حنظل لا يطعم جائعا ولا يظل رأسا, فوحده من يمشي الطريق أمام الآخرين وينجح ويساعد غيره علي النجاح هو الجدير بالتأسي به صغر في عمره أم كبر, فيكفيه كبر قدره وانجازه وطموحه وعلو همته, وسمو الشيخ محمد من أولئك الأفذاذ الذين خلقوا الفارق في بلدانهم حتي أصبحت منار حديث المعجبين والمبغضين علي حد سواء, وعندما يقف مثله مع بلده الثاني مصر فما هو إلا رغبة صادقة من سموه للأخذ بأيدي إخوته وأخواته لتعود أرض الكنانة من جديد علامة فارقة بين دول النخبة. لم يذهب محمد بن زايد وحده لقاهرة العز, بل رحلت معه قلوب الإماراتيين تشاركه الحب لمصر وأهلها وتشاطره الرغبة الأمينة في تعافيها مما حل بها, ولم يكن لدي ابناء الإمارات خير من سموه ليحمل تلك الأماني ومعها كل التأكيدات بأن مصر ليست ولن تكون وحدها أبدا, وأن أختها الصغري ستشاطرها اللقمة بل وحتي نسمة الهواء حتي تبل من مصابها وتعود كما كانت سد العروبة المنيع ومنارتها المرموقة, فهنيئا لنا بعودة مصر ولتهنأ هي بحبنا لها. لمزيد من مقالات مهره سعيد المهيرى