أزعجني كثيرا ما نشرته جريدة الأهرام الغراء بتاريخي27 و30 أغسطس2013 بشأن دور السفيرة الأمريكية لدي القاهرة آن باترسون خلال الأحداث التي جرت في مصر في الثلاثين من يونيو الماضي وما قبلها. وبغض النظر عن مدي دقة ما ورد في الخبر من معلومات أو بيانات بشأن العلاقة بين الولاياتالمتحدة وجماعة الإخوان المسلمين حيث يظل الأمر مرهونا لدي القضاء إذا ما لجأ أحد الأطراف اليه للفصل فيما نشر كما أشارت الي ذلك الجريدة بأن لديها التوثيق الكامل لكل ما ذكرت, إلا أنه من المهم أن نمعن النظر في ملابسات الخبر بصورة عامة حول الدور المنوط بالسفراء والدبلوماسيين القيام به وما هي مهامهم وحدودها والهدف منها؟ فصحيح أن جريدة الأهرام طالبت بأن ما جري في مصر خلال العامين الماضيين أو ربما قبلهما من تدخلات لبعض سفراء الدول الاجنبية في الشئون المصرية يظل منوطا به المسئولية في حق السلطات المعنية التي أفسحت المجال لهم بالتدخل غير المقبول وغير القانوني, إلا أنه من الصحيح أيضا أن هذه التدخلات المتكررة تستوجب وقفة متأنية لمنع تكرارها وهو ما نسجله في ملاحظتين مهمتين, وذلك علي النحو التالي: أولا- من غير المبالغة القول أن الشعوب قديما وحديثا تعارفت علي احترام السفراء والمبعوثين احتراما يليق بمن أرسلهم, ولم يكن المسلمون مجرد حلقة من حلقات تاريخ احترام الرسل والسفراء, بل تميزوا عن غيرهم باحترامهم احتراما غير مسبوق حتي في الأوقات التي كان يظهر فيه السفير تجاوزا كما حدث مع رسولي مسيلمة الكذاب, فلم يؤذهما رسول الله صلي الله عليه وسلم, وفي ذلك إشارة منه الي وجوب اعطاء السفير حقه وعدم التنكيل به لأي سبب كان, وهو ما جاءت به اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام1961, بما منحته للدبلوماسيين من حقوق وامتيازات منها الحصانة الدبلوماسية ومقتضياتها كعدم السماح لسلطات الدولة المستضيفة الدخول إلي مقر البعثة الدبلوماسية وكذلك عدم تفتيش أمتعة الممثل الدبوماسي دون مبررات تتطلب ذلك وكله محكوما بأطر قانونية, كما نصت الاتفاقية علي ضمان حرية اتصالات البعثة وسريتها في ضوء الضوابط القانونية, بل زاد الاسلام علي ذلك في النص علي ضمان حرية العقيدة شريطة الالتزام بالاجراءات والقواعد المنظمة لممارستها, فضلا عن ذلك منحتهم الاتفاقية العديد من الامتيازات الخاصة كالاعفاء من الضرائب الوطنية والإقليمية والبلدية المفروضة. ثانيا- لا شك أن هذه الحقوق لم تمنح للسفراء والدبلوماسيين لأشخاصهم أو ذواتهم وإنما تتطلبها مقتصيات عملهم وتسهيلا لما يقومون به من مهام, ولذا يقابلها حزمة من الواجبات أو الضوابط الناظمة لممارسة هذه الحقوق أو التمتع بتلك المزايا والتسهيلات, تطبيقا للقاعدة القائلة كل حق يقابله واجب. وعلي هذا, فقد حدد الاسلام وما جاء بعده من اتفاقيات دولية وقوانين داخلية مجموعة من الواجبات علي السفراء الالتزام بها, من أبرزها العمل علي عدم اساءة استعمال الحصانات والامتيازات لمصلحته الشخصية أو اتخاذ مقر البعثة مقرا للفئات المعارضة أو مكان تحاك منه المؤامرات ضد سلامة الدولة وأمنها أو مأوي للفارين من وجه العدالة, مع ضرورة احترام قوانين الدولة المعتمد لديها وعدم التدخل في شئونها الداخلية, وهو أمر يتفق والغاية من تبادل السفراء والمتمثلة في توطيد وشائج السلم والتعاون الدوليين, فكيف يستقيم هذا مع مخالفة قوانينها وأنظمتها والوقوع تحت المساءلة القانونية والتدخل في شئونها الداخلية سواء أكان تدخلا تحريضيا أو تخريبيا, وهو ما نصت عليه المادة(41) من الاتفاقية بأنه:علي جميع السفراء احترام قوانين البلد المعتمد لديها وأنظمتها, ويجب عليهم كذلك عدم التدخل في شئونها الداخلية. لكن, ما شهدته مصر علي مدي العامين والنصف الماضيين من تجاوزات من جانب السفيرة آن باترسون يكشف عن مخالفات جمة ترتكب في حق مصر وشعبها بدءا من قضية التمويل الأجنبي ودور السفارة الامريكية في ذلك, مرورا بما جاء في الخبر المنشور في جريدة الأهرام من اثارته لعدد من القضايا منها لقاء السفيرة بالمهندس خيرت الشاطر بتاريخ6/28 قبل أحدث الثلاثين من يونيو بيومين وما جري فيه, كذلك تحركات السفيرة ولقاءاتها مع بعض القوي السياسية والثورية وما يدور في مثل هذه اللقاءات وخلافه, كل هذه القضايا تستوجب البحث عن اجابات حول حدود دور السفراء وما إذا كان ثمة تجاوز ارتكبته السفيرة الأمريكية في حق الدولة المصرية؟ وما هو دور الأجهزة المعنية كوزارة الخارجية والأجهزة الأمنية المعنية؟ ألم يكن من المناسب أن يكون هناك تعامل سريع مع مثل هذه الخروقات والتجاوزات طبقا للقواعد الدبلوماسية بابلاغ دولتها بأنها شخص غير مرغوب فيه ومطالبتها بمغادرتها الأراضي المصرية؟ خلاصة القول أن الثورة المصرية بكافة موجاتها لم تقم إلا من أجل الحرية والكرامة الانسانية التي لن تتأتي إلا باستقلال وطني حقيقي وبسيادة وطنية تبسط علي كافة ربوع الجمهورية بعيدا عن التدخلات الاجنبية والاملاءات الخارجية وهو ما يحمل رسالة ذات وجهين: الأولي, موجهة إلي القيادة السياسية التي تتحمل عبء المسئولية اليوم وغدا في التعامل مع مثل هذه الأحداث أو الوقائع وعدم السماح بتكرارها مستقبلا حفاظا علي استقلالية الدولة وسيادتها. والثانية, موجهة إلي سفراء الدول كافة بضرورة احترام القواعد المنظمة لعملهم دون تجاوز أو انتهاك, وخاصة السفير الامريكي القادم الذي لن يلقي من الشعب المصري إلا ما لاقته سابقته حينما تجاوزت حدود دورها ومسئوليتها, فلتذهب غير مؤسف عليها. لمزيد من مقالات عماد المهدى